رزاق عامل هندي بسيط جاء إلى الإمارات ليعمل ويعيل أسرته، جاء ليحسن من أوضاعه المعيشية، كان يسمع باسم الإمارات، وكان متخوفاً قبل خوض غمار الرحلة الجديدة، فهو لا يعرف شيئاً عن هذا البلد، وفي الجو طوال فترة الرحلة التي نقلته إلى هنا، كانت الكثير من الأفكار تتراقص في رأسه، والفكرة تناطح الفكرة، ما الذي تخبئه له الأقدار، وما هو المصير الذي ينتظره؟
ومنذ وصوله إلى الإمارات، وحتى يومنا هذا.. أيام وليال عاشها بيننا، وسنوات، والكثير من التفاصيل والقصص والحكايا التي حدثت له، والعشرات من المواقف والمئات من الشخصيات التي التقى بها، نحن لا نعلم شيئاً عن هذا، ولم يصلنا أي شيء منها، وكل ما جرى له لا نعلمه ولم يخبرنا عنه أحد، ولكن يمكن تلخيصه وتحليله من الموقف الذي قام به خلال مباراة منتخبنا أمام الهند.
يوم الخميس الماضي اتجه رزاق إلى مدينة زايد الرياضية لتشجيع منتخب بلاده الهند ضد الإمارات، وتواجد بين آلاف المشجعين، ورفع لافتة كتب عليها باللغة العربية: «جنسيتي هندي، وقلبي إماراتي»، يا له من وفاء نادر، وحب غامر، فلا توجد لغة في الدنيا أكثر صدقاً من لغة المشاعر، كتبها بعفوية تامة، ولم ينتظر من بادرته هذا أجراً ولا مثوبة، ولكنه أراد أن يعبر عما فاض به قلبه من حب وامتنان، فكانت بادرته تلك لوحة وفاء ورسالة عرفان.
ما بين مجيء رزاق إلى الإمارات للمرة الأولى، وذهابه إلى مدينة زايد الرياضية يوم الخميس الماضي سنوات، لا نعرف تفاصيلها، ولكنه اختزلها في لوحة، عبر عنها بطريقته الخاصة، فهذه الإمارات لا يمكن أن تمر في أجوائها إلا وتعشقها، فما بالك إذا عشت فيها؟! عاشرت شعبها واختلطت بينهم، خبرت طيبتهم وأصالة معدنهم، عندها تصبح تلقائياً واحداً منهم، وعندها تكون الإمارات لك وطناً ثانياً لا تشعر فيه بالوحشة والغربة، قد تغادره ولكنه لا يغادرك أبداً، يبقى ساكناً فيك تعيش على أمل العودة، ويكون الشوق في ذروته والذكريات الجميلة تغذيه، وتظل تعد الثواني، حتى يحين الموعد، فما أحلى الرجوع إليه!
وكم كانت البادرة الرائعة من قبل معالي اللواء محمد خلفان الرميثي نائب رئيس اللجنة المنظمة للبطولة الذي حرص على الالتقاء بالمشجع الهندي رزاق وتكريمه على تشجيعه الحضاري وحبه الكبير للإمارات، ولتكتمل فصول القصة التي كتبت على صفحات القلوب لا على سطور الأوراق، عن وطن يقدم الحب لمن يعيشون فيه فكانوا له عشاقاً، تلك هي باختصار «حكاية رزاق».