نحن في الطريق الواضح إلى العام 2050، حيث توقع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن نحتفل فيه بتصدير آخر برميل نفط، معتبراً أن استثمارنا اليوم في التعليم وقطاعات التنمية الجديدة، شرط أساسي للاحتفال، وليس الحزن على نضوب الذهب الأسود، ذلك أن التكيّف مع استحقاقات المستقبل، يبدأ الآن، إذْ لا مفاجأة مع التخطيط العلمي السليم في القرن الحادي والعشرين.
استشراف سموه كان في القمة الحكومية في العام 2015، و«أسبوع أبوظبي للاستدامة»، مستمر منذ 2013، ويحضره اليوم عشرة رؤساء جمهوريات من آسيا وأفريقيا، وخبراء ورواد في التكنولوجيا التي تشكل جوهر التطور الهائل في الاستدامة، وتشتبك مع قطاعاتها كافة، ومن المرجح أن تسيطر تماماً على المفاصل التنموية، الرئيسة والفرعية، في العقود الخمسة المقبلة، وما بعدها.
في السنوات العشر الماضية، قطعنا مسافات بعيدة في الطريق إلى العام 2050. ولا تعترينا المخاوف الموسمية في كل عام من انهيارات أسواق النفط وتقلباتها السعرية، مع التصميم على تنويع مصادر الدخل، وتدشين مشروعات ضخمة في الطاقة البديلة، فلدينا «مصدر»، أكبر مدينة للطاقة النظيفة في العالم، و«مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية» الأكبر عالمياً أيضاً، ونستضيف في أبوظبي مقر الوكالة الدولية للطاقة النظيفة «أرينا»، ونستخدم أكثر حلول التكنولوجيا نجاعة في بدائل عمليّة، لمرحلة ما بعد النفط.
لكن الاستدامة، لا تتعلق بالوقود الأحفوري فقط، فالثورات العلمية والمعرفية في العقدين الماضيين، أنتجت تحديات جديدة، ووضعت شروطاً مختلفة عن الماضي، لمن يريد أن يعبر بقوة نحو عالم جديد، يتغير فيه كل شيء بسرعة، وما لم يكن الاستعداد له مدروساً وذكياً وكافياً، فسيتطلب ذلك سنوات طويلة من التكيف، بتكلفة عالية، وصعوبة شديدة.
الاستدامة في المنظور الإماراتي، تعني أن تتجاوب القطاعات التنموية مع عملية التحول الرقمي التي يعيشها الاقتصاد العالمي، ولا مجال لإنكارها، أو التقليل من شأنها، اعتماداً على موارد طبيعية، مهما كانت، فهي محدودة، وعرضة للنفاد، ولذلك فإن الاستدامة التي تنسجم مع «رؤية الإمارات2021»، تعني أن تتحرك قطاعات: الطاقة، والمياه، والنقل، والفضاء، والشباب والتكنولوجيا الحيوية، بقوة وفاعلية إلى العالم الرقمي، حيث ينهض الاقتصاد على المعرفة والعلوم، وهذه ثروات في العقول، وليس في جوف الأرض، وتالياً، لا تنتهي أبداً.
التنويع جوهر الاستدامة، ويمكن ملاحظة ذلك في عناوين المشروعات الفائزة بجائزة «زايد للاستدامة» هذا العام، فقد مُنحت لابتكار حقائب للطاقة الشمسية، تمثل حلاً للخدمات الصحية في المناطق التي تفتقر إلى شبكات كهرباء موثوقة، وكذلك لأنظمة مرنة، تعمل بالطاقة الشمسية في 35 بلداً، وأخرى لتنقية مياه الشرب، وغيرها من الابتكارات.
وإذْ يصح أن «الحاجة أم الاختراع»، فربما الأصح الآن، أن التكيّف المبدع أساس البقاء.