وقف الطير على كتفي، نادى.. يا قمحة عمري تعالي، وتعالي، فالمطر يزاول نقرته، ويقبل شفة الأرض، وأنا شغف بالقبلات، تعالي فجناحايا تعبا نبشاً تعبا من خيباتي، وجنوني، وجنوحي في الصولات، والجولات، تعبا رفرفة في الآفاق، والغيمة تخذلني، والبرق يحاصرني، والرعد يجلجلني، والشح يمضغ كبد الأشواق، ويمضغني، يسحق مقلة لهفي، ويحيق، بأحلامي يا قمحة شظفي، الأيام تساورني عنك، وعني، وعن أسئلة وجودي، وعن بؤس القمحة إذ نزفت جل ملامحها، وغابت في مبهم أسئلتي، وتاهت، حيث تتوه الأشياء في مبهم غايات البوح، وتتوه في غامض لهفتها، وتضيع الأيام، ويضيع العمر، فلا جدوى من قمحة أرض، الأرض تمزقها، تحرق أشواق القمحة في موقد كبح، يملأ فيها خواءً، يملأ فيها الجوع، والكبت، ويملأ فيها نفايات التاريخ ويملأ فيها نبوغ الكذب، وإرهاق الشهقات، يملأ فيها سخف الغايات، ويملأ فيها أوهام المارين على أرصفة الخذلان، ويملأ فيها جشع الأقدام الراسفة مجوناً، وفنوناً في الرفس، والرجس، والبخس، والنحس، وكسوف، وخسوف، يملأ فيها التشويه والتسويف، ويملأ فيها الأوثان، وعباد الشيطان، ويملأ فيها نافلة من شنآن، يملأ فيها جحيم الرغبات، يملأ فيها النحل، والملل، وطائفة من شعوذة، وطائفة من كهان، يملأ فيها غبار الأيام، وسعار الوديان، يملأ فيها كتلاً من نار أبابيل، ويملأ فيها صرخات الولدان، يملأ فيها شكلاً من أشكال الحِنث، وخيانات هزت أركان الكون، وهزت غرابيب السود، وهزت أشجاراً وعشش الطير.
تملأ فيها لغة الضاد، والصاد، بأدران، وأحزان، وتملأ فيها نكباً، تملأ فيها نخب كؤوس داخت من فورتها الأذهان، وتملأ فيها عري نواصي القارات، والحارات، وأزقة طير مد الروح شراعاً، فامتدت في عينيه كآبة، إذ شاخت قمحة عمره، في زلزلة الأوطان، وناخ بعير الآمال، تحت غصون الإخفاق، وناخت جل الأفكار، وتنامت في الأنساق حقولاً أطواق وأسوار، واحتشدت في العقل عصابات من نهب الأفكار، واحتشدت، واحتشدت، حتى صارت قمحة شظف، تتلظى في عنق زجاجات الأحلام.