بيئتنا المدرسية، خاصة في المدارس الخاصة، ليست بالمدينة الفاضلة أو المجتمع المثالي، وعندما يذهب الصغار وحتى البالغون لمؤسسات التعليم على اختلاف مراحلها، فإنما يتلقون إلى جانب الدروس التعليمية، أساسيات وسلوكيات تؤثر فيهم وتبلور شخصياتهم، ومهما كانت تلك السلوكيات إيجابية أو سلبية، فقد تستمر معهم حتى دخولهم معترك الحياة ومجالات الخدمة العامة أو الخاصة.
كنت في مجلس خاص عندما توقف حديث بعض الحضور عند ظاهرة الغش في المدارس، وهي ظاهرة قديمة قدم العملية التعليمية، وتزدهر خلال مواسم الامتحانات، وكان مناسبة الحديث سقوط «عصابة غش الامتحانات» التي شكلها مدرس وصدر بحقها حكم بالسجن والغرامة والإبعاد مؤخراً في منطقة الظفرة.
كما ذكرت، الغش سلوك مدان منذ القدم ومرفوض دينياً وأخلاقياً، ولكننا نجد من يزين له ويغض الطرف عنه، بل تجد من يشجع عليه ويطلب من الطلاب المتفوقين «التعاون» مع زملائهم ضعيفي المستوى. وترى في بعض الجامعات الخاصة من يشجع مدرسيه على غض الطرف عن الغش من أجل «مساعدة» الطلاب!! لدرجة بلغت الجرأة بطلاب إحدى الكليات الخاصة التقدم بشكوى على مدرسهم بأنه «غير متعاون»!!.
علمنا المتمم لمكارم الأخلاق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بأن «من غشنا ليس منا» في المفهوم الواسع للغش الذي يلامس مختلف جوانب الحياة، وليس فقط التعليم والدراسة، ولكن بعض إدارات المؤسسات التعليمية، وبالذات الخاصة، لا تنظر للمسألة سوى من زاوية مصلحتها بأن مدرستها تسجل أعلى نسبة نجاح دون أن تدرك بأن تشجيع الصغير على الغش سيجعل منه شخصاً يتخذ ذلك المسلك منهجاً وسلوكاً حتى في حياته العملية، وتعامله مع المسؤوليات التي قد تسند إليه، وما حوادث «الشهادات العليا المضروبة» وسرقة جهود الآخرين عندما ينسب أحدهم لنفسه عمل وجهد غيره، سوى إفراز لظاهرة التغاضي عن الغش في الصغر. كما أن السكوت سيثبط من عزيمة الطالب المجتهد عندما يجد من يسرق جهده واجتهاده باسم «التعاون» مع زميل له يعرف جيداً أنه لم يكن ليبذل أدنى جهد في تحصيله الدراسي.
نتمنى من الجهات المختصة والمعنية بالتربية والتعليم، تنظيم حملات توعوية على مدار العام الدراسي لمكافحة الغش المدرسي على غرار الحملة الوطنية التي جرت لمكافحة التنمر، فكلتا الظاهرتين تشوه شخصية الإنسان، ولهما آثارهما السلبية على الفرد والمجتمع.