الجرس الذي عليك أن تهزّه بكلتا يديك لتوقظ الناس من الغفلة العظيمة، إنما هو جرس الحب. ذاك الذي ينبغي أن يرن في كنائس العشق مبدداً حذر الراكنين إلى الطمأنينة المزيفة. وينبغي أن يدوّي صوته في معابد الخفقان واللهفة والشغف، لعل الحياة تصير النهر الذي يطهّر عابريه من الاستسلام للوحشة والخوف. هكذا يتاح لكل منا أن يركل رتابة العيش وأن يفرد أجنحة الروح كي تسمو فوق الكلس الذي يخثّر جنوحها للألق والضوء.

بالحب وحده، يذوب جبل العناد. يأتي طائرٌ في فمه أغنية الحياة ويقف على كتفك ويغرد لشمس الحرية أينما كان مشرقها. وبالحب وحده تتفتت القسوة ويُذرى في رماد الأيام غبارها. وبعدها لا يلتقي اثنان إلا وجسر الورد أرضهما، ولا يتعانق اثنان، إلا وذابت صرخة الشوق بينهما ودوّى في صدى الكون بوحها.

كان الحب في الأصل أغنية، لكنه أصبح في القصائد فيض ذاكرة يراكمها انتباه القلب إلى ما يجعل الوجود نبضاً. وإلى الإشراق الذي يغلّف هالة الوجوه المحبة ويبرقُ من ابتساماتها. وأنت لو مشيت ما مشيت في الأرض بحثاً عن الحب، ستراه منكسراً في الوجوه العابسة، ومخنوقاً في الملامح المتبرمة، وكسيحاً في القلوب التي مهما منحتها الحب، تظل تصدّك وتخنق بهجة اندفاعك للقفز والرقص والتهليل والفرح بلحظ الحياة العابرة. وأنت لو ركضت ما ركضت، لن تبلغ المنتهى إلا إذا أدركك الحب، وغرقت خطاك في منابع جمره، وذاب صوتك في صمت قوافيه.

لا تلتفت لعاشقين يضحكان في المقهى وأنت وحيد تراقبهما على رصيف الحب. افتح قميصك واركض لتطرق الأبواب والنوافذ والأسوار العالية. وسوف ترى وجه عاشقة تفيقُ من سرحانها وترمي منديلها إليك. وسوف تسمعُ مناجاة من ظلت تنتظر الحب عشرين دهراً، وربما سقطت قبلاتها التي في الفراغ عليك. وعليك بعدها أن تظل توزع القصائد من مقهى إلى مقهى، وأن تكتب وحدك رسائل العشاق بقلم الوضوح، وتطلقها سرباً يضيء جبين الكون كله.