يلتزم الصانع المعني بتقديم منتج حساس كالسيارات والطائرات -مثلاً- باستخدام معادن عالية الجودة، معالجة بتقنيات معقدة جداً، ناهيك عن الاختبارات الطويلة للتأكد من متانتها وقدرتها على القيام بوظيفتها تحت ظروف مختلفة ومن دون تلف. هذا الصانع يدرك تماماً أن إهماله لأي مرحلة من المراحل السابقة في عملية اختيار المعدن المناسب (ولو كان سيستخدم في صنع بُرغي لا يزيد طوله على السنتيمتر بل وأدق من ذلك)، وتأهيله ليكون في مكانه المناسب، لأن غير ذلك يمكن أن يؤدي إلى كارثة فعلية تذهب فيها حياة الناس. ولذا تلجأ المؤسسات الجادة إلى صنّاع حقيقيين لهم صفات المعدن نفسه ولكن بمعايير البشر، أي أن يمتلك الصانع المؤهلات والخبرات والتجارب والنجاحات التي تسمح له بالحصول على هذه الوظيفة أو تلك. مع التأكيد أن ذلك يجب ألا يكون لأجل الصانع ولمصلحته، بقدر ما هو لمصلحة ملايين المستخدمين لمنتجه.

لا يوجد عمل صغير وآخر كبير، فكل الأعمال يكمن تحت كل تفصيلة فيه سر الكون، ولو بدت تلك التفصيلة لعقول البعض عابرة هامشية غير مهمة في سياق إنجاز العمل الضخم. ولهذا السبب تُخلّد أعمال بعضهم وسيرهم حتى يصبحوا نماذج لآخرين يأتون بعدهم بأجيال. فلو كان الأخوان «رايت» مخترعا الطائرة غير مؤهلين في اختيار نوعية المعادن المطلوبة في البراغي المستخدمة لتثبيت الجناح، وكان «دافنشي» غير مبال بألوانه ونوعيتها، وغيرهم ممن أتقنوا أدق التفاصيل في أعمالهم، هل كان لنا أن نتحدث عنهم الآن وعن أعمالهم؟!

إسناد الأمر إلى أهله يعني إسناد الأمر لمن هم جديرون بحمل الأمانة، ممن امتلكوا العلم والمعرفة المناسبة لإنجاحه. إن إسناد الأمر لأهله يضبط المنظومات، ويُسيّر العمل ويمنع البلبلة والفشل، ويحد من هدر الوقت والجهد والمال، ويُقدم القدوة الحسنة والنموذج الأمثل الذي يصبح فيما بعد منارة لأجيال، يعلم الله وحده ماذا ينتظرها! والعكس أكثر سهولة، وليس أدل من مقولة: «إذا أردت إفساد أمر، فقط.. ولِّ عليه من هو ليس أهلاً له».