ليتك تفهمين أن الحب لا يقبل التضمين، ولا التخمين، ليتك تعلمين أن الحب لا يقسم إلى اثنين، ولا يشطر إلى بحرين، أو قارتين، أو حضارتين أو اسمين، الحب يا سيدتي مثل الروح من ملايين السنين، يقبع في جسد واحد، فلا ذكوري ولا أنثوي، إنه بين الاثنين قارة واسعة الحدقتين، إنه في الأول والآخر، ما بين النارين جمرة الوجود، أن تطفأ، فذلك حمق، وذلك تشويه لأخلاق العالمين.
ليتك تعلمين أني مُذ أحرقت القرطاس والقلم، وما بين الشفتين، كنت في الحقيقة أبحث عن خيانة في الكلمات، وفي كتب التاريخ، وفي أحلام الطير، وفي جنون الشعراء، وبهتان الكهنة، والقديسين، وشاهدي الزُّور، وأخبار الصعاليك وقطاع الطرق، وصناع الكذب، فوجدت أنك هناك في التفاصيل، وفي مختصر الأضواء التي عمت زوايا بوح المهرجين، والمتزلفين، ومخترعي الموضات، ومبدعي الصرعات، وجدتك تجلسين مثل ذبابة حائرة، تود أن تخطف حبة قمح من بين أيدي المأزومين، كنت تحلفين على أنك لن تخوني عينيك، ولا أذنيك، ولا قلبك، عندما تخترقين الحشود، تصلين إلى جهنم الخافقين، ولكنك، كذبت، واعترتك الرجفة عندما خنت، لكنك ما تورعت، وخنت، وتذرعت، بكل حيلة، ووسيلة، وأعلنت أنك في ثوب الطهارة خضت معارك الحِنث، وذهبت إلى البئر، وانتزعت الضحية، وتمنيت وقلت في لحظة غبطة، وغلطة، هيت لك، ولكن البئر، قنط، وسقطت أنت، سقطت في بئرك، وانحططت، وشططت، واختزلت الحياة في تلك المباغتة، اختصرت عمرك في تلك المداهمة، وبعد حين من العذاب، تهورت، ثانية، وثالثة، حتى بهت القلب من فعلة شنيعة، وأشاح الوجود عنك في وجوم، بعدها اعترفت أن الطريق إلى الحياة، لا تبدأ بالخيانة، ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن تسرب الماء الضحل إلى فنجانك، بعد أن غطى الغبار مرآتك، بعد أن تشققت الجدران في غرفتك، بعد أن وقعت كل الصور، مغشياً عليها، بعد أن غيرت الشمس مسارها، بعد أن تخلى القمر عن شراء قميص النوم الفضي، بعد أن نامت كل القطعان في الخلاء عارية من الطمأنينة، بعد أن حصد الله كل المجرمين في هذا العالم، بعد أن رفعت الملائكة أقلامها، وبعد أن جفت صحف النهار، والليل، بعد أن تخليت أنا عن النظر إلى عينيك وأنت نائمة.