ماذا سيحدث لو قررت أن تهجر المدينة والقرية والساحل وشاطئ البحر بناسه ورواده؟ ماذا لو اتخذت من جزيرة مكاناً وإقامة دائمة وحدك في مساحة واسعة لا يشاركك فيها غير طيور اللوة والصر والنوارس؟
بالتأكيد سوف تتمتع بالهدوء، ولكن سوف تزيد لديك الحركة بما يناسب المكان، فقد تصحو صباحاً على أصوات الطيور وضربات الموج، ثم تمد خطواتك نحو البحر للبحث عن غذائك، فقد ترمي شباكك أو صنارتك وتدعو ربك أن يرزقك بسمكة أو أكثر، وربما مارست السباحة أو عدوت على الرمل أو قفزت على الصخور، باعتبار أنك مالك لهذا الفضاء، وفي المساء تناجي النجوم والقمر ثم تسبّح بحمد ربك على نعمة الحياة الفريدة، وتدعوه أن تنهض صباحاً لتعيد الكرة، ولكي تشارك الطيور فرحها بموسم البيض وتحصل على نصيبك من بيض اللوة أو الغواي.. وعندما تدور الأيام يأتيك أصدقاء جدد من السلاحف فتضع بيضها بجوار كوخك، ثم تأتي أسماك جديدة وتهجرك أسماك أخرى مع تبدل المواسم..
حلم جميل ومختلف بالتأكيد، وحياة عجيبة ربما تعشقها.. وسوف تتعلم الكثير، وقد تفقد الكثير، ولكن الخيارات الخاصة والقناعات الخاصة هي حالة لا يصل إليها إلا أفراد نادرون..
تلك الصورة التي تبدو للبعض من نسج الخيال، قد تكون حصلت لكثير من الناس سواء في منطقتنا أو في أماكن أخرى..
القدامى من أهل البحر يتحدثون عن صياد هجر الناس والمساكن، واتخذ من جزيرة نائية في بحر الخليج العربي سكناً وحياة، هو وحده وزورقه الصغير وشباكه العتيقة وبعض الصنارات، تمضي أيامه ولياليه فوق جزيرته التي يعشقها بعيداً عن ناسه وأهله، نسج صداقة مع كل أنواع الطيور، وهي ألفته وأحبته، فكان لا يبخل عليها بالأسماك الصغيرة، وهي تتحلق حوله وكأنه والد حنون، يطعمها كل يوم، ولا يؤذي فراخها، أو يرفع في وجهها بندقية، فكان كأنه واهب الحياة والمسرات فوق هذه الجزيرة، وباني لمجتمع جديد قوامه مختلف أصناف الطيور والأسماك والسلاحف، بل حتى بذر أنواعا جديدة من المزروعات والأشجار، التي كان يجلبها إلى الجزيرة عقب كل زيارته القصيرة إلى الساحل.. نخلات نبتت هنا وهناك، وأشجار لوز، وأعاد الحياة لبئر قديم حفره البحارة من زمن بعيد..
في هذه الحياة، هناك من يعمر ويغرس الخير ويبذر الزهور أينما وجد..