مجنونة في الحب لا تعرف التأنيث والتذكير، لا تعرف التفكير في ما خلف جنونها، لا تعرف التأطير، فكل تضاريس الهوى مفتوحة، والموانئ والبحار، والأسرار وكل الصحاري والأنهار، مجنونة في الحب عارية من قواميس اللغات والأبجدية، مجنونة لا تعرف الخوف ولا تعرف الأضرار، حين تكسر مرآة الزمان وتخدش وجه النهار، تمضي في النوايا والزوايا، تفكر في إلغاء النظريات، والفلسفات، والملل والنحل والطوائف، تفكر في التخلي عن بعض الثوابت، وتقول هذي من نفايات الزمان، تقول هذي من عصور غابرة، تقول هذي من نوايا الشعوذة، وتسافر في الذكرى بعيداً وتقول أيها الشاكي تعال، إن في اللحظة وعياً، إن في اللحظة عمري، فتعال، وتعال نقطف الزهر من بساتين جنوني، وتعال، نتجَلَّ في الهوى نسقاً، ونفكر في جنون، ونفكر في مجون، ونفكر في الطفولة، تلك أيامي، وأحلامي، تلك فجر الأمنيات، لا تبال بالتضاريس العجيبة، لا تبال بالحدود، كلها في الأصل خرافة، وتدابير هزلية، لا تبال إنها مسرحية، نحن في الأصل جبال من مياه أزلية نحن في الأصل نواة، فانفصلنا إثر ريح صرصر، أججت نار الأنوية، فاحتدمنا واصطدمنا، واحترقنا، وانتهينا، في دياجير قبلية، ومضينا في فصول البؤس والرجس، ومضينا في انتهاكات الجدلية، ومضينا في تواريخ كاذبة، ومضينا نقتفي أثر الركب المسافر في ضمير مستتر، ونجاهر أننا من نسل كائنات وهمية.
مجنونة في البوح مثل أمواج عاتية، أو رغبة بدائية، مجنونة لا تبالي في الحثيث لا تبالي في المغامرة، لا تبالي في السباحة من دون زعانف، لا تبالي في الحديث عن خطوط حمراء من دون مخاوف، لا تبالي في كسر زجاجات البحر، حين يلمع في عينيها بريق الحب المُجازف، وتضطرب الأمواج، وأفواج الطير على سواحلها وتتشظى مروج التاريخ في مقلتيها، والنار تحت قدميها، النار في كل حواشيها وسواقيها، وجغرافيتها، النار تأتي من أتونها وتاريخها، النار في الأصل جاءت من بدئها وبواقيها.
مجنونة في البوح، وفي الجمع والطرح، مجنونة في كل نظرة، ونبرة وعبرة، وسبرة، مجنونة في القدح وتسريب الشهقة من تحت الجلد إلى آخر جرح، مجنونة في الصرخة من بين الشفتين حتى أعلى صرح، مجنونة وأحلى ما في جنونها أنها لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تحب مرتين.