وحشية مثل غزالة برية، تُمارس الحب مثل شرب الماء في حال الظمأ. وحشية مثل صورة من تاريخ البدائية، مثل ناب الريح في شراع الأبجدية، مثل مخلب أسطوري ينخر عظم القبلية، مثل طير الأبابيل يهدم عرش الجاهلية.
وحشية أزلية، من أتون الفكرة الجدلية، تحدق في التضاريس، وترسم صورتها على مرآة الجسد النارية، تتدفق في اللاوعي، فلسفة لا شرقية ولا غربية، هي من أصول سرمدية، تتداعى في الوعي نار وثلج، تكسر كل القوالب، وثوابت العقائد الأولية، لا تفكر في النواهي والأوامر، ولا في اللاءات الوثنية، إنها من صور الأفكار واللغات، خاوية من المحسنات البديعية، إنها وحشية إلى أقصى حد الجبلة البدوية، في عينيها وهج السمات، والجهات، وما بعد الأفق وما قبله وما في أسرار السماوات والغيمة السحرية، وفي ثغرها يموج البوح الأليم، وورطة الانثيالات الجسدية، هي في هذا العالم سخط النوايا وضمير الأقدام الحافية هي العارية السامية، هي الجلال في بحر الرؤى، هي نقطة الصفر في جليد التضاريس الخاوية، هي من نسل نساك وعباد، هي من كهنة العزلة المترامية في فلسفات الكفر والإيمان، والحب والبهتان، اليقين والطغيان، هي من فيض النجوم والغيوم، هي من سلالة لا تعرف الحب إلا في اختزال الأفكار والأزمان هي صبوة، هي نخوة، هي فوضوية حتى نخاع التاريخ، وحتى فجر الإحسان هي هكذا صومعة، لكنها بلا كتاب يحدد اتجاهها، ولا خضاب يلون كفيها، هي في الحياة امرأة لها في ألف ألف عنوان، وإن شئت الوصول إلى قلبها، فعليك الحذر، من الهضاب والكثبان، عليك تحري عينيها، كي لا تصيبك بعمى الألوان عليك أن لا تغامر، قبل أن تستدل مكانها، وفي أي قارة هي تسكن، وعلى أي ربوة تحط رحالها، وهل في كأسها نخب الشفاه والأقحوان.
وحشية، همجية إلى حد التنسك، جزيلة في الهوى، لكنها تجيد التدمير، وتجيد صنع الفخار في تنانير الهوى، كي تحرق الفخار ساعة الحرقة، وساعة تدير العقارب أسنان التخدير، وحشية لم تعرف عن تاريخ الخيام والهيام تحت الأسقف الوبرية، ولم تعرف عن الحب إلا في عراء الرمال الساخنة، وكلما اشتد عراؤها، ازدادت في الغرام.