تخيل أنك صعدت جبلاً هائلاً، فسوف ترى الناس في السفح بحجم الكرات الصغيرة وسوف تشعر بالسعادة، كونك أصبحت أكبر من الجميع، وأعلى منهم قامة وهامة. ولكن لمجرد أنك تهبط من قمة الجبل، سوف ترى نفسك غريباً، لا يعرفك أحد، لأن الذين كنت تراهم صغاراً، كانوا هم كذلك يرونك أصغر، إلى درجة أنهم لم يتعرفوا على شخصيتك. وعلى الفور سوف تشعر بالإحباط، والتقزز من نفسك، والاشمئزاز من حالتك. هكذا هو الإنسان الذي تكبر فيه (الأنا) وتتورم، فهو يعتقد أنه الأكبر والأعظم بين الناس جميعاً، إلا أنه في حقيقة الأمر، لم يكبر فيه سوى الخدعة البصرية التي رسمتها في ذهنه الأنا المخادعة. فعندما تكون أنت في حضرة الأنا، تتلاشى أنت، ولا يحضر غير الوهم، لا يحضر سوى الغبار الذي تعفره الأنا أمام عينيك، فلا ترى أنت في هذه الحالة إلا الظلال السوداء التي أثارتها الأنا، وتصبح أنت في اللاشيء.
نحن نلج عالماً من الخيال الكاذب، عندما نغدو تحت سطوة الأنا، نحن نصير مثل الدجاجة التي تنقر صورتها في المرآة، وتحسب أنها تضرب كائناً آخر يشبهها، بينما هي لا تنقر إلا صورتها المنعكسة على المرآة.
الأنا مرآة قديمة، مكسوة بكتلة هائلة من النفايات التاريخية، الأنا بقعة رملية نمت عليها كتلة هائلة من الأعشاب الشوكية، منعت عنها ضوء الشمس. عندما تحتقن الأنا، يعتقد الإنسان أنه امتلك زمام الوجود، بل يعتقد أنه هو الوجود، ومن حوله ليس إلا بقايا تالفة لا قيمة لها، الأنا عندما تتورم تصبح ورماً سرطانياً، يتسع على حساب خلايا الجسم الأخرى، ولكن في نهاية الأمر ينفجر الورم، ويذهب إلى لا شيء، كما تذهب الخلايا الأخرى. كلما شعرت أنك الأكثر، كلما أصبحت أنت الأقل، فأنت ترى في الناس الأقل، وكذلك هم يرون فيك الأقل والتافه، ومع مرور الزمن، تذهب أنت، وتختفي تحت جلباب (أناك) ويبقى الآخرون، لأنهم الحقيقة وأنت الوهم، لأنهم الواقع وأنت الخيال، لأنهم الحياة كما هي، وأنت الحياة المصنوعة من تبن الأنا. الأنا كائن مخادع، فلا تصدقه ولا تسر خلفه، ودعه وراءك وامشِ، سوف ترى العالم كما هو من دون زيف، ولا تحريف ولا تخريف. فأصل الأنا جاء من أتون الخرافة، والخرافة تجعلك تنتفخ مثل البالون حتى تنفجر، أو تذهب إلى قمة الجبل وتضيع هناك فلا يراك أحد. اكسر شوكة الأنا حتى لا تلسعك، وقلِّم أظافرها حتى لا تخربشك، غل يديها حتى لا تصفدك بأغلال الخديعة، حاول بقدر الإمكان ألا تكون الرهينة، وجرِّب حريتك بنفسك، سوف تجد نفسك أعظم عاشق في الوجود، عندما تعشق تعرف معنى الحياة، ومعنى أن تكون أنت كما أنت، وليس أنت كما تريده (الأنا). جاهر في الحب وعشه، ولا تبادر في التقوقع في غرفة الأنا. لا تثابر من أجل أن تكون الأكبر، بل اعمل على أن تكون الأشف والأخف والأرهف.