لعل من مشاكلنا في المجتمعات العربية والإسلامية أننا نعيش على التوقعات، ومن أجل التوقعات، وكل حياتنا لو حسبناها لوجدنا أنها بنيت على توقعات، وأكثرها توقعات خائبة، حرمتنا من لذة العيش، ولم تسعفنا في طلب الجد، ولم تمنحنا السعادة، حتى غدت السعادة عند هذه الشعوب في الانتظار، وكأنها ليست قراراً.
* الآباء والأمهات يتوقعون من أبنائهم أن يكونوا صالحين، بارين، ذخرهم في خريف العمر، وعليهم الاعتماد، وأن يجازوا على ما قدموا وعملوا من أجلهم، لكن حين يخيب الرجاء، تجد الآباء يتنازلون عن توقعاتهم، فيرددون: «خلّهم ينفعون عمارهم! وإلا نحن ما نبا منهم شيئاً»، وتسمع الآخرين يرددون عن ذلك الجفاء وخيبة الأمل: «إمبونها النار ما تَرّث إلا الرماد» أو «والله ما ظهروا على جدودهم»، وحين يحدث العقوق بين الولد والوالد، وهي أعلى درجات خيبة التوقعات، يغضب ويدعو الوالد: «والله ليتها صَبّتك دماً»!
* يتوقع الأبناء من الوالدين أن تبقى الرعاية والحماية، ويستمر الدعم المادي والمعنوي، ويظل ذلك الإيثار الذي تعودوا عليه منذ الصغر، لكن حين يتغير الوقت، وينقلب الحال ويعجز الآباء، تخيب كل تلك التوقعات الكسلى والأنانية، ويظهر ذلك التنكر والجحود والنفور، وكأنها حالات من التوقعات مبنية على المنفعة الصامتة.
* يتوقع الناس من الحكومات الأمل الكثير، كما تتوقع الحكومات من الناس الصبر الكثير، وحين لا يصلهم منها إلا القليل، ولا تجد هي منهم إلا القليل، تتوقف التوقعات، وتبدأ الاتهامات والسجالات، وتظهر بوادر الفساد والخراب والحسابات والمحسوبيات.
* يتوقع الموظف من مؤسسته التقدير والرفعة والترقية والاحترام، وحين تخيب التوقعات، وتغيب الأمنيات، ويجازى ولا يكافأ، يبدأ في تحطيم صنم المؤسسة، فإن لم يقدر بدأ بتحطيم النفس، وسبب أذى للمجتمع.
* يتوقع الناس من النائب المنتخب تحقيق كل الوعود وبرامج الترشيح، لكن حين تمضي سنوات القعود في البرلمان، ولا يتحقق شيئاً للناخبين، ولا يحقق العضو إلا مكاسب الظهور والبهرجة الإعلامية، تنهار التوقعات، وتظهر الخيبات، ولا تعود الثقة كما كانت، ولا يمكن أن يبني طريقاً للثقة في القادم.
* كثيرة هي التوقعات، كثيرة هي المراهنات، كثيرة هي الخيبات، كثيرة هي أحلام اليقظة، قليلة هي النجاحات، ابحثوا عن التوقعات التي نلزم بها أنفسنا، ونلزم الآخرين بها، وستجدون أن معظم حياتنا مبنية على توقعات في الهواء!