البواخر والمراكب القديمة مثيرة للخيال. ففي أزمنة المواصلات القديمة في الخليج العربي، كانت المراكب الخشبية تعبر إلى سقطرى والسواحل الأفريقية، وبعضها يمتد سيره إلى الموانئ الهندية، من هالكون إلى ممباسا ثم البصرة وموانئ أخرى.. رحلات تلك المراكب هي نشيد البحر وتحليق الفؤاد فوق السحب.
في تلك الأزمنة للسفرات البحرية صور بديعة ورائعة، وعلى الخصوص في موانئ المدن الخليجية من البحرين إلى الكويت والدمام ومسقط والإمارات.
صلة الوصل تلك التي تنقل الأحباب والبضائع والخيرات من ميناء إلى آخر، كان يحرسها السلام والحب وصلة الرحم والقربى والأسر المشتركة على ضفاف الخليج، والزمن الذي تقطعه تلك المراكب أو الأبوام السفارة هو لحظات جميلة تجمع بين المسافر والأفراد العاملين على السفن، والتي كانت بالفعل ممراً تعبر عبره مشاعر الصداقة والمودة بين أطياف المجتمع الخليجي، والتي ظلت صلبة كلما كثرت وسائل التواصل والاتصال وتقدمت. فالطفرة العمرانية التي شهدتها مدن الخليج شجعت الجميع على التنقل والعمل والاشتغال بالتجارة، وطلب المعرفة والتعارف، والتزاوج.. كانت حياة هانئة ومطمئنة عند الجميع، ودبّت حركة البناء والاهتمام بالحياة الخاصة والعامة وظهرت المدن الجديدة، وتوافرت الأعمال في سائر دول الخليج العربي، وهذا الإنجاز دفع دول وبلاد إلى النهوض والتقدم، ولعبت تلك الوسائل المهمة في المواصلات دوراً تصاعدياً في حركة مستمرة إلى أن تطورت وسائل الاتصال وتجاوزت تلك الحقبة والزمن القديم.
من اللحظات التي أتذكرها في عمر الطفولة سفرة رائعة وجميلة على ظهر بوم عبر بنا من دبي إلى الدوحة، كان البحر صافياً وهادئاً والبوم يقطع تلك المسافة الطويلة وكأنه ظل غيمة أو سحابة تمر بهدوء وتبعث النشوة والفرح، كان زمناً بعيداً ولكن لا أدري لماذا لا يغيب عن الذاكرة، ربما لارتباطه بتلك الأغنية الجميلة التي تنبعث من راديو صغير عند أحد البحارة!!
كان ذلك الصوت يسير فوق سطح البوم والبحر ليصل إلى حوريات البحر والطيور، أغنية مصرية قديمة من إبداعات تلك الفترة التي ظهرت فيها أغاني الجندول والخيال النيلي لعبور المراكب وشوق المسافر، كانت الأغنية تقول: «على شط بحر الهوى رسيت مراكبنا». كان بحر الخليج جميلاً وحالماً وبديعاً، يبعث الحب والسلام، ويوزع الخير والنماء والأمل في الحياة، حتى ظهرت غربان الشمال وشرورهم، ومن عمائمهم خرج الخراب والدمار والثعابين.