تركنا أنفاس التعب تحت جدرانها المطلية بالحب، لم نكن لنلجأ لهدوء الوقت أو نستريح قليلاً، والمساحات أمام طفولتنا بعيدة وعريضة نجتازها أو تجتازنا، كم كنا نشرع لطائراتنا الورقية أن تعلو نحو الحلم، لنرى السماء زرقاء جميلة، أو نرى الحياة من خلال أفكارنا، نحن أولاد حارة السوق، نمرر شقاوتنا بين الأمكنة وشغف الفرح، حارة تحتضنها جدران قلعة المربعة بشموخ الأمن والأمان، ضحكاتنا المنثورة تتردد بين السوق وجبل النقفة، وصدى نختلقه مصادفة بين واحة النخيل وأفلاجها المتموجة بين الشموس والظلال.
لنا وهج الصغار وعناد الروح موسومة بالتفرد، ننحت الذات على صخرة من جبل، نرى القلعة بمكونها وخطوطها التراثية نراها إرادة جميلة، ولن أسرد كثيراً عن ممن عملوا بين أروقتها ضباطا وجنوداً، رسموا لنا الطريق المتمثل في الحضور المتباين ما بين دهشة الطفولة، وثقافة المعرفة بهذا المعلم أو الآخر مبنى الضيافة، فكان في نفوسنا شغف ذلك التجوال المثمر.
كان لها فناءت حرة تنم عن جوهر الحياة الشرطية، ينتظم بها العمل المجتمعي ليحل المعضلات وهي قليلة وعابرة، وفي إحدى زواياها مساحة للخيول العربية، التي عادة ما تنطلق ليلاً لحفظ أمن المدينة، وفي علوها مكاتب وأقسام إدارة، والآن أعادت الجهات المعنية في بلورتها من جديد، وبدأت في ثوب يطل على الحياة، كما لو غرست فنبتت لتكمن بها فناءت تاريخية، وزي شرطي وأنجم تضيء، ومفردات من آلات سيارة ذات الألوان الذهبية، هي قلعة المربعة التي أصبحت قلعة للتاريخ وفضاء للتراث الشرطي، تجسد ثقافة العين الساهرة، وتجسد العين المدينة ذات الحياة الملهمة بكل فصولها، والمتناغمة مع الحكايات المنفردة من الإرث المتأصل منذ قرون وأزمان طويلة، هي العين أيقونة في التراث العالمي، وتسجل قلعة المربعة مكانتها في هذا النسيج القيم والمكون الذي سيحفظ لنا تراثنا عبر أزمان قادمة.
حين كتبت سابقاً عن معالم هذه المدينة، صورت حافلاتها ذات المرايا الزجاجية، وكأنها ترسم مدينة العين بعيونها، وهي تعكس على لمعانها، وكأنها تسجل فيلماً سينمائياً يطوف عبر المعالم، المتحف وواحة النخيل، وقلعة المربعة وسوق العين المتميز بالمحال القديمة، وهو مكون التقاء، يوفدون من أجل الحديث ومعرفة الأخبار والرمسة في فضاء أحوال الناس من مسرات وأحزان.
قلعة على ضفاف الواحات الخضراء ومعادن الناس الطيبة لا شك تنسج بوادر العروبة، وفي ضيافة المعاني الأصيلة والقيم، وهي منبع الفطنة والبداوة، وجمالية المدينة التي ترقى وهي تكتب التاريخ بما تتضمنه من نسيج جميل.