انتشر «برودكاست» خلال الأيام الماضية حول قصة «سندريلا»، أشهر حكايات الأطفال وأكثرها تأثيراً على عقول الفتيات على وجه الخصوص. يقول التعليق المنتشر: إن سندريلا كانت فقيرة ولم تصبح أميرة إلا بسبب خروجها بدون إذن أهلها، وتأخرها ليلاً، ورقصها مع الأغراب، بل واستعانتها بالجن لتحقيق حاجاتها. يبدو التعليق ساخراً ومضحكاً للوهلة الأولى، غير أنه يشير بطريقة منطقية تماماً لزاوية مختلفة لم نكن لنلقي لها بالاً طوال سنوات تناول الأدب الإنساني لهذه القصة بأشكال مختلفة. فالعبرة الوحيدة التي غرست في وجداننا، أن المظلوم سينتصر وستتحقق له السعادة، في حين أن نهاية الظالم أكيدة ومؤلمة. ومهما كانت حقيقة العِبرة، إلا أن قيمة المنفعة التي يخبرنا بها البرودكاست «الساخر» واقعية جداً، غير أنه واقع لم ندركه بعقولنا الصغيرة والبريئة وقتذاك، ولهذا لم نستنكره لأنه مفهومنا عن الخير والشر كان في أبسط مراحله.
كثيرة هي القصص التي نعرفها، والتي تحمل من التناقضات والتعقيدات أكثر بكثير مما تحمله من أفكار بسيطة، وهذا طبيعي فالحياة أسست على هذه الشاكلة؛ فلا البساطة غالبة ولا التعقيد سائد، ولا الزاوية التي ننظر بها إلى الأمور تتشابه، كما أن النتائج التي نتوقعها من الأحداث ليست على نفس مستوى الأهمية من الجميع. فما يراه البعض خيراً الآن، يراه آخرون شراً على المدى الطويل في مطلقه، وما يراه البعض ذا منفعة على المدى الطويل، يراه آخرون غير أخلاقي الآن.
أعلم تماماً أن محبي سندريلا سيغضبون كثيراً من هذا الطرح، ولن ينتج عن دخولهم نقاش حول واقع المخالفات التي أقدمت عليها محبوبتهم الجميلة إلا خسارة أكيدة، فالغاية التي تحققت بزواجها من الأمير لا تبرر ما أقدمت عليه من أفعال تستوجب اتخاذ لائحة من العقوبات ضدها، اجتماعية بسبب عصيان الأهل وأخلاقية بسبب السهر والرقص، ودينية بسبب التعامل مع الجن. كما سيغضب الرومانسيون لتحميلنا قصة حالمة من التراث الإنساني هذا القدر من التشريح الفج لوقائع لا تمثل مخالفات عظيمة كما يدعي «البرودكاست»، فالأهم في القصة هو أن الجميع سيخرج سعيداً.. ولكن هل حقاً يخرج الجميع سعيداً؟!