ثمة إنجاز وطني على الأرض، بعيداً عن التجاذبات والصراخ السياسي في المنطقة. ثمة مواطنون يعملون بإخلاص وصمت، وسط هذا الضجيج الإعلامي من حولنا، وحين نواصل بهذه الدافعية والابتكار، فذلك لأننا اختبرنا سنوات طويلة من الصراعات المحيطة والأزمات القريبة والبعيدة، ولَم نجد ما ينفعنا إلا في نهضة بلادنا، وعلو شأنها في الإقليم والعالم.
نتذكر مفاصل الأزمة المالية العالمية، وما تخللها من حروب وفوضى، قبل أعوام قليلة. نتذكر المشروعات السياسية الدولية، والتبشير باليأس والخراب وانعدام الفرص في المنطقة. لا ننسى أننا خلال ذلك كله، أنجزنا عشرات المشروعات الاقتصادية الضخمة، ودخلنا مراحل متقدمة من التصنيع والاندماج في الثورة الصناعية الرابعة، وفِي الوقت نفسه، حافظنا على بلادنا من شرور التطرف، ونظرنا في مصلحتنا الوطنية قبل كل شيء، وكلما زادت الزلازل من حولنا، تمسكنا بالاستقرار وأضفنا إلى مشروعنا منجزاً وطنياً جديداً.
كانت النهضة الإماراتية ولا تزال على قدر كبير من التخطيط والإصرار على مواصلة البناء. ذلك أن الدول الراسخة أمناً واستقراراً ورخاء اقتصادياً، لا تقع فريسة للخوف والقنوط من المستقبل. ونحن كذلك، واجهنا التطرّف والإرهاب، وساعدنا أشقاءنا العرب على العبور من عتمته بالتنوير الثقافي، وبالتنمية الفاعلة، وتوازياً ظلت ورشة الإنجاز الإماراتية محافظةً على شجاعتها وقوتها وزخمها، بكل ما تعنيه الثقة بالذات من معانٍ ودلالات وشواهد.
في الأيام المتوترة الماضية، حيث ارتفعت موجات التشنج هنا وهناك، وظن كثيرون أن بإمكانهم حل معضلات الشرق الأوسط، لمجرد أن يهتفوا في مظاهرة، أو «يجاهدوا» على جبهة «تويتر» و«فيسبوك»، كان شباب الإمارات يدشنون منصة «أم اللولو» النفطية البحرية، الأكبر في المنطقة، في سياق متصل، تستمر فيه شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، في تطوير قدراتها الذاتية، اعتماداً على كفاءاتنا الوطنية، فقد تم إنشاء المنصة بالكامل داخل الدولة، تمهيداً لإبحارها إلى حقل أم اللولو، في إطار مشروع، استغرق بناؤه خمسة أعوام، بتكلفة 10 مليارات درهم.
وعلى وقع التوتر الإقليمي، والتشاؤم من مخرج قريب للتباطؤ الاقتصادي العالمي، أعلنت حكومة أبوظبي أمس عن بدء تشغيل «نور أبوظبي» أكبر محطة مستقلة للطاقة الشمسية في العالم، بقدرة إنتاجية تبلغ 1177 ميجاوات، وهذه إحدى مشروعات أبوظبي في تنويع مصادر الطاقة النظيفة، والحفاظ على استدامتها.
منصة «أم اللولو»، ومحطة «نور أبوظبي» تمثلان فهم الإمارات لما يجب أن تكون عليه الدولة في سعيها لبلورة نموذجها الخاص في المنطقة، والاعتماد على قواها البشرية المدربة، بما هي عوائد لا تقدر بثمن للاستثمار الطويل في التعليم، ولرعاية القيادة لمرامي العملية التنموية وأهدافها، فالمشروعان يعززان الثقة باقتصادنا، وبقدرته على استيعاب الهزات العالمية.
ننهمك في نهضتنا، ويعنينا دائماً أن نتصدر المنطقة، ليس في المؤشرات الاقتصادية فقط، وإنما أيضاً في اتزان رؤيتنا وفهمنا وسياستنا، وما تبقى من هذا العام، سيكون واعداً بمزيد من الإنجاز والرخاء.