لن يختلف اثنان على أهمية النخيل في حياة الناس، خاصة في الجزيرة العربية، ولكن هذه الشجرة العظيمة استطاعت أن تمد العطاء والخيرات إلى كافة أنحاء العالم، حتى أولئك الذين لا يعرفون النخلة ولا ثمارها، أصبحوا يحرصون على أن يحصلوا على ثمارها. صعدت أهمية النخلة في موطنها، ولم تعد شجرة تعطي في مواسم القيظ والرطب، فهي عنصر تجاري رئيسي، ووصلت أعداد أشجارها إلى الملايين، وتم تحسين زراعتها وتعددت أنواعها، وتأسست من أجلها شركات كبرى ومصانع ضخمة.
لم يعد الرطب وحده هدف السوق، بل إن أفكاراً جديدةً دخلت على خط هذه التجارة الصاعد. وإذا كانت شجرة الزيتون في بعض البلاد تمثل مصدراً مهماً في الصناعة والتجارة، فإن شجرة النخيل الآن تكاد تتجاوز تلك الشجرة القديمة.. فالصناعات القائمة على محصول النخيل، في الغذاء والمشتقات الأخرى، أصبحت الآن تغزو مختلف الأسواق حول العالم، وتلبي كل الأذواق، وتعود بالربح الوفير على العاملين في هذه الصناعة والتجارة، وبطبيعة الحال على المزارعين أيضاً.
النخلة لم تعد تلك الشجرة التي تزين الأرض العربية بقامتها العالية وشموخها كعنوان لحياة الصحراء، كذلك لم تعد مجرد شجرة تحف بشوارع المدن على جانبيها، وتعطيها ميزة خاصة، هي شجرة الخير والإبداع لكل من ينتمي إليها.
في الإمارات القديمة لكل أسرة نخلة أو «زريبة» واحة نخيل، أو على الأقل نخيلات قد لا تتجاوز أصابع الكف، بل إن بعض الأسر الساحلية والداخلية تهدي بعض أفرادها أو أطفالها نخلة يتم زراعتها وانتظار جودة ثمارها، ويعلم ذلك الفرد أن تلك النخلة تخصه وتسمى نخلة فلان في الأسرة، يسرّ بها الطفل أو الطفلة أو الزوجة أو الشاب ويعاينها دائماً و«يباريها»، وكم تكون الفرحة كبيرة إذا ظهرت تلك النخلة جيدة الثمار أو كثيرة الثمار.
أن تكون عندك وعند أسرتك «زريبة» واحة نخيل تعتبر من الناس الذين يخدمهم الحظ والبخت كثيراً، وقد ينتقل أصحاب تلك الواحات من مسكن الشتاء والذي عادة يكون بقرب البحر، كما قد ينتقل من يسكن في الصحراء والبراري والسهول أو الجبال إلى جوار النخيل، حيث الرطب والماء، وعادة تكون في مساكن «العرش» المبنية من سعف النخل، فالمساكن القديمة معظمها من سعف النخل.
لذلك نقول: مباركة النخلة، ومباركون أصحابها.