ما الذي يدفعك للتطوع في بطولة، حيث تخضع أولاً لاختبارات، ويقابل طلبك بالرفض أو القبول، ثم تلتحق بإحدى اللجان، فتكون على بوابة مثلاً أو في استقبال الضيوف، وأنت المدير أو الموظف أو الطبيب أو طالب الجامعة، وتقضي 12 ساعة من يومك، وربما أكثر دون الحصول على مقابل.. ما الذي يدفعك لتفعل كل ذلك وأكثر، أو أن تسقط من الإعياء، لينقلوك إلى المستشفى، ثم تخرج منها لترابط حيث كنت، وكلك حماس ورغبة في المزيد إن استطعت.. لا شك أنه منتهى الحب، وإذا أيقنا أن ذلك طبيعي وفطري من ابن الوطن، فما الدافع له لدى المقيم؟.. هو الحب أيضاً.. بعض الأوطان تغدق على من فيها، فتصبح وطناً مع أوطانهم.. هكذا الإمارات التي يتبارى في محبتها كل من يعيش على أرضها، والتي من أجلها، تقدم 23 ألف شخص يريدون التطوع في بطولة أمم آسيا، واختار منهم الاتحاد الآسيوي خمسة آلاف فقط، وعاد البقية ربما يبكي بعضهم، ويهنئون من «حالفه الحب».
ليست المرة الأولى التي أصادف فيها المتطوعين، لاسيما وأن بلدنا يضج بالفعاليات التي لا تنتهي، لكن الأمر ضخم هذه المرة، والبطولة كبيرة، والضيوف من أنحاء القارة يحتاجون إلى عمل مضن ومتواصل على مدار الساعة، وإذا كانت اللجنة المنظمة لم تترك شيئاً للمصادفة، فالحقيقة أن المتطوعين كانوا خير عون لهم، كما أنها أحسنت تدريبهم ليحدث الانسجام والتناغم الكامل بين المحترفين، ومن يفترض أنهم هواة، ولا شك أن الرقم الكبير الذي أقبل على التطوع، وتم اختيار مجموعة من بينهم تشمل 131 جنسية تعيش على أرض الإمارات، يعكس ما شيده الوطن في قلوب هؤلاء، وأن ما أنجزناه كبير وعظيم.
يتحدث المتطوعون في البطولة 41 لغة، وهو أكثر من عدد لغات ولهجات قارة آسيا بأسرها، وفيهم الكبير والصغير، ويوزعون بين كل لجان البطولة، وبالفعل أصيب ثلاثة منهم بالإجهاد ودخلوا المستشفى، وغادروها ليعودوا ليمارسوا مهامهم بحب وتفان وإخلاص منقطع النظير، وجميع هؤلاء لا يطمحون إلى شيء، ويعملون دون مقابل.. هم فقط يحبون الإمارات، وأرادوا أن يترجموا هذا الحب على طريقتهم.
يتضاءل أحياناً ما نكتب أمام بعض المعاني العصية على أن تترجمها كما تراها وكما تحسها، والحقيقة أن الملحمة التي يقدمها المتطوعون، والتي يغلفها الحب وحده أكبر وأعمق من أن نرسم ملامحها.. يكفي أن تراهم في أحد الملاعب لترى على محياهم منتهى الحب للإمارات شعباً وقيادة وأرضاً، جاؤوها بحثاً عن الرزق، فوجدوا الحب والوفاء والسلام والمحبة.
تحية لأولئك المحبين.. تحية للمناضلين في ساحات البطولة وفي لجانها المختلفة، يوزعون الورد والود والبسمات، وينثرون في المدى أبهى المشاعر لوطننا الإمارات.

** كلمة أخيرة:
وحده الحب.. ثمنه «الحب»