هو أقل من الخوف، ولكن يمكن أن يتطور ويصل حد التشنج والصراخ الهستيري والتوجس، وقد يتحول إلى مرض نفسي مزعج، يجب أن يعالج، غير أن مشكلتنا في العالم العربي أننا نعتبر الطبيب النفسي مريضاً نفسياً يجب أن يتعالج قبلنا، وذلك بفضل تأثير السينما، وإظهار شخصية الطبيب بطريقة كاريكاتورية، وخير من أدى هذا الدور الفنان القدير «فؤاد خليل»، الله يرحمه.
وربما مرجع هذا الرهاب في الغالب إلى تجارب طفولية، ظلت عالقة في قاع الذاكرة أو في العقل الباطن، لذا خوفي من الحشرات ولدغها، ربما مرجعه إلى «مخاوشة نفتة الدِبّي»، ربما حينها لم أدرك ذلك حتى ولو لدغني، وهو يفعل في الغالب حتى يصبح الوجه مثل وجوه مصارعي «السومو»، لكن لم أكن أعتقد أنه سينتقل معي إلى الكبر، وسيظل هاجساً مزعجاً، بحيث عادة لا أسافر إلا بكل عدة المكافحة التامة، بخاخ، مرهم، مرطب، مانع اللدغ، وما بعد اللدغ، لأنه إن تمكن مني فعادة تظل اللدغة شهراً ويزيد، تاركة علاماتها الفارقة، يعني إذا ما ذهبت إلى أفريقيا يمكن أن أحمل «ناموسية» أو أنام في الفندق بـ«سليب باك»، وأحيط نفسي بصواعق الحشرات، لأن الشخص الذي مثلي يكون نائماً مع الملائكة، وفجأة يسمع ذلك الزنّ جانب الأذن اليسرى، فيصحو وهو متشنج، بعدها يهرب النوم، ولا يذهب ذلك الصوت الذي يمكن أن يكون ساكناً في رأسه فقط.
ما كنت سأتحدث عن هذا الموضوع، لكنه من تسالي الصيف، ولأني تعرضت لهجوم مكثف في مساء احتفالات مدينة آستانه بعامها الواحد والعشرين، وكنت أعتقد حتى يومها أن بعوضة واحدة تظل تحوط حول أذنيك، تلدغ مرة، وربما استدعت صديقتها لتأخذ حصتها من جلدك، لكن أن يهجم عليك جحافل مجحفلة في الوقت نفسه وبسرعة مطلقة، بعدها تعد الغرزات فإذا بها تزيد على الأربع والعشرين عضة، فتقول يا ليتني تحجمت أو تبرعت به لبنك الدم، ولا راح ذاك الدم هدراً.
ولي تجارب غير مريحة معه في مدن كثيرة، طنجة، الإسكندرية، أديس أبابا، طشقند، بومبي، لكن مثل بعوض آستانه لم تر عيناي.. وغداً نكمل..