الغضب مثل الدخان يعميك، ولا يجعلك ترى أبعد من أخمص القدمين. الغضب مثل الغبار يعرقل وصولك إلى الآخر، ولا يجعلك رؤيته كما هو. عندما نغضب تحتفل الأنا بأول لحظة نفقد فيها العقل، ونكون مثل قصاصات ورقية يعبث بها الهواء. نتعرف على شخصية الإنسان في ساعة الغضب، وليس في ساعة الهدوء والطمأنينة. عندما يواجه الإنسان المشكلات التي تعترض طريقه، بحكمة، وشكيمة، وفطنة، ورزانة، ورصانة يكون هو ذلك الشخص الذي فاز في سباق التحدي في ميدان الفروسية. النفس مثل الحصان، إن صنتها صانتك، وأن خنتها خانتك. عندما يكون الإنسان فارساً مقداماً ويستطيع لجم حصانه، (النفس) من الجموح والجنوح، فإنه في هذه الحالة، يملك زمام أموره ويكسب الرهان في هذه القفزة الوجودية، التي تجعله دائماً عند ضفاف نهر يرتشف من عذوبته، ويخصب وعيه من شفافيته. عندما تحضر حواراً بين شخصين، فتش عن الغضب في عيني أحدهما أو كليهما، فإن وجدت مخالبه تبرز من خلال الشرارة التي تلمع في محجري العينين، فاعلم أن هذا الشخص يكمن في جوف محارة الاحتقان الأنوي، فلا تصدق مساحيق التجميل التي تخبئ ذلك اللون الرمادي المهيب. عندما تجد ارتعاشة اليدين قد خضت، ورضت، ومضت، وعرضت الشخص لحالة من الزلزلة الداخلية، فثق أنك أمام شخص يجيد صناعة التخفي وراء الحجب، شخص بارع، مبدع في رسم لوحة تشكيلية سريالية، قابلة للتأويل والتفسير والتحليل، ولكن دلالة الغضب الهستيري تبرز في ثنايا الخاطر المهشم، والبال المحطم، والروح التي استلبت بفعل طغيان الأنا، وتكاثف جيوشها الجرّارة، التي طرقت الإنسان بحزمة من الأوهام، وحرمته من رؤية العالم كما هو، بل صوّرت له أن العالم كائن عملاق متوحش، ويجب محاربته، بكل ما أمكن من القوى النفسية، والتي بدورها تراكم كل ما لديها من نفايات التاريخ وتلقيها على سلوك الإنسان، ليبدو هو ولكن بصيغة معدلة، ويصبح المسكين في الموقف الراهن روحاً بمخالب قطة متوحشة، يصبح عقلاً بأنياب ذئب. لا يمكن ترويض من غادر رياض الأحلام الزاهية، وسكن في جزيرة تؤمها صور الوسواس المتضورة، وتحلق على رمالها طيور أبابيل ترجم النفس المتفاقمة، بالشك والريبة والأوهام المحتدمة. الشخص الغاضب مثل الأرض الرخوة لا يمكن الوثوق في صلابتها لكونها أرضاً تمتلئ بالماء الضحل، وتختبئ تحت طبقاتها فراغات أنوية، لم تكتمل دورتها في النشوء والارتقاء.