يعد الغزال، ذلك الحيوان الجميل، من أسرع خمسة حيوانات تعيش على الأرض، إذ تبلغ سرعته 90 كيلو متراً في الساعة. ومن سماته المميزة رشاقته، فلبعض أنواعه -ما يقارب 15- قدرة على القفز إلى ارتفاع 10 أقدام لمسافة مترين، كما أن له أذنين تتحركان في اتجاهات مختلفة -دون تحريك رأسه- تلتقطان ترددات لا يصل إليها البشر. أضف إلى ذلك قدرة الغزلان على الرؤية الليلية العالية. ورغم تلك الإمكانات الهائلة لهذا الحيوان، إلا أنه لو تعرض لإضاءة مباغتة ومباشرة، فإنه يتجمد مكانه بلا حِراك ناحية الضوء، وهذا ما يُعرض حياته للخطر.
في الحياة، نصادف بعض أصحاب الإنجازات الكبيرة، من الذين يبدون أقوياء جداً، ومثاليين للغاية، وأصحاب مبادئ ومُثل عظيمة، غير أنهم بمجرد أن يتعرضوا للظهور الإعلامي يتم التغرير بهم، فلا يطول الوقت عليهم، إذ يأخذون في الخفوت -في أفضل الأحوال- أو الانهيار.
تبدأ تلك السقطة، عندما يجد أحدهم أنه -على سبيل المثال- أصبح فجأة تحت الضوء وأنظار وسائل الإعلام، فيجد صورته في الصحف وعلى شاشات التلفزيون وصوته يتردد عبر الأثير، ويردد ما يقدمه عبر حساباته الإلكترونية مئات المتابعين، وغيرها من أشكال التعرض للضوء، فتجده -وبلا وعي منه- وقد امتلأ بالزهو والكبر، فيعتقد أن كل ما يتفوه به هو من الصواب، وأن الآخرين في أشد الحاجة إلى حكمته، وفي حال كان لأحدهم رأي مختلف عنه، فهو حاسد حاقد، ولا مانع من عقابه إن أمكن.
المثير للشفقة، أن ذلك يحدث في أحيان كثيرة لأشخاص هم في الحقيقة جيدون، ولكن غُرر بهم في غفلة وأوهموا بأهميتهم المتناهية، ففقدوا السيطرة على ذواتهم. وكما هو حال الغزال -الذي يرتبك نظامه البصري بسبب الضوء، فيتجمد مكانه- يقف البعض تحت أضواء الإعلام وزحمة المتابعين مرتبكين وبلا وعي حقيقي، غير مدركين أن ذلك الضوء عارض عابر لن يدوم، فيأخذون عزتهم من الزيف والوهم الذي سينهار لا محالة. أما الغزال الجميل فإن حالة العمى المؤقت التي تصيبه، لا تزيد في أسوأ الأحوال عن دقيقتين -صحيح أنها قد تودي بحياته- ولكنها ستزول ويعود لإطلاق إمكاناته من جديد إن كتبت له النجاة، أما صاحبنا المغرر به، فإن تأثير ذلك الضوء عليه لن يزول.