في لعبة شهيرة - يستخدمها مدربو التنمية الذاتية - يطلب فيها «الكوتش» من المتدربين أن يربط كل فرد بالون بإحدى قدميه، ثم يخبرهم أن الفائز هو صاحب البالون الذي لن ينفجر.
حسناً.. الآن يمكنكم تخيل شكل القاعة التي ستنقلب إلى حلبة صراع بين الأفراد.. فما سيحدث هو الآتي: سيبدأ كل لاعب بمحاولة تفجير بالون رفيقه ليتخلص من المنافسين الآخرين، وهذا ما يجعل الجميع في حالة صراع من أجل الفوز. ولكن هل ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك؟!
في عالم الحيوان (وخصوصاً تلك التي تعيش في زمر وجماعات) لن ينشأ هذا الصراع إطلاقاً، فالحيوانات في أغلبها وفي كل صراعاتها داخل نظامها البيئي، يكون هدفها أساساً سد احتياجاتها، لا التعدي على حاجات باقي الحيوانات من نفس النوع، ولا تلجأ للقتال إلا في حالة الدفاع عن نفسها. وفي لعبتنا السابقة، فإن القرد - على سبيل المثال - إذا تعرض لمثل هذه التجرية، فإنه سيمكث مكانه حتى يجني جائزة حفاظه على بالونه باقياً، ولن يلجأ إلى تفجير بالون زميل آخر له.
المثير فعلاً أن لعبة البالون هذه، ورغم أنها «لعبة»، إلا أنها تظهر ميل البشر للنزاع في حصولهم على أشيائهم، في حين أنه وبجهد أقل ولطافة أكثر، يمكن أن نجني ذات الأشياء ولربما أكثر. بل والأكثر إثارة، أن فرص الحصول على هذا الشيء لعدد كبير من الناس وارد جداً، كما في لعبة البالون، فلو وقف كل فرد في المجموعة محافظاً على بالونه، دون أن يشغل نفسه بتفجير بالونات باقي زملائه، لكان الجميع فائزاً.
في الحياة التي نعيشها، يتعامل الأغلب أمام الإمكانات، وكأنها نادرة ولا بدائل غيرها. فيتجهون إلى إيذاء بعضهم بهدف الحصول على شيء، مالاً كان أو وظيفة، أو مكانة أو غيرها من الأشياء التي اعتاد البشر الصراع حولها. بينما لو ترك كل واحد منا غيره، وانشغل بنفسه وبما يملك من مقومات دون إيذاء الآخرين، فإنه، وبلا أدنى شك، سيحصل على فرص لا حصر لها، تكفيه وتكفي غيره. فالفائز هو صاحب البالون الذي لم ينفجر، وهذا لا يعني أنه يجب أن ينفجر باقي البالونات. وكذلك هي الحياة، إنها رحبة بما فيه الكفاية ليكون الجميع فائزاً بشكل أو بآخر.