في الإجازة بلا سفر.. هناك أشياء كثيرة يمكن أن تغتنمها وتفعلها بفرح طفولي، فقط عليك أن تتنازل عن علو العمر والمكانة والتجربة وبعض الأنانية التي تعتقد أنها لا تضر أحداً، لتنزل إلى مقاعد صغارك لتشاركهم شرقة الضحكة، وهم يتابعون مشاهدة الرسوم المتحركة أو التعليق عليها بشغف طفولي وبريء، تاركاً تلك النشرات الإخبارية ووجوه مذيعيها المكفهرة، والتي لا تبشر بالخير أبداً أو تلك البرامج التسجيلية لحيوانات تفترس بعضها، وتنهش لحم بعضها كالناس في الحياة الضيقة، وهي في مساحات شاسعة من الغاب، وتستدير بكل ثقل الجثة نحو «ميكي ماوس» كحيوانات كرتونية تتصارع من أجل انتزاع ضحكة من أفواه الصغار، والكبار مثلك حين يتذكرون طفولتهم الهاربة منهم بسرعة.
تُرضي «سهيلة» التي لا تحفظ من القرآن إلا سورة «المسد»، وأدركت أنها المقصودة بحمّالة الحطب، فتردها لك يا أبا لهب، فتأخذها إلى عشاء منفرد، شارطاً عليها لكي تستمتع به أن تنسى الشغّالة وما فعلت، وأختها وما اقترفت، وتتخلى عن لوازم البيت وما اشتهت وتطلبت، وأن تنفصل عن أولادها قليلاً، وتلتفت لك، وألا تفكر إلا في هذه اللحظات العاطفية، وما تمنت.
يمكن أن تأخذ العائلة الصغيرة المتشرطة نحو فضاءات خضراء، وتنسى شكوتهم من الحر واللغط، وتعرفهم أن في النخل ظلاً ظليلاً، وأن للرطب في الصيف -ومن أمهاته له- طعماً مختلفاً، وأن للسلال المصنوعة من سعفه مشهداً مغايراً حين تعلو مخرافة الرطب بتلات «سِمّن وياسمين» وليمون «دغو» وأخضر، وأن شجرة «الهمباه» يمكن أن تطرح «همبا» من عسل أصفر، وأن شجرة التين التي كبرت مثل عمّة في البيت تحفظ ثمرها، ولا يسقط التين حتى يبلغ، وإن طاح ولامس الأرض، بقي مبتسماً عن ثغر مزبد بالحلو والسكر، في النخل -هكذا نسمي البساتين في العين- بأكثر الأشياء فيها النخيل، هناك شجرة فرصاد أسود وأحمر، وشجرة «أمّبو» لا تزهر إلا في الصيف بصمغها الحلو كالدبس وأرطب، وهناك شجرة سفرجل، وأغصان موز، وأشجار رمان، وأعواد حناء، وشجر أترنج، وحامض حلو، وأثمار وخضار من كل شكل وأكثر.. فقط ليعلم الصغار أن في أرضنا كل شيء يكبر.
إجازة بلا سفر.. يمكن أن نجعل منها رحلة ممتعة بأشيائنا الصغيرة والبسيطة، يمكن أن نبحث عن أشياء بريئة وطفولية، منسية هنا وهناك، نعيد بعثها من جديد في نفوسنا، ودون أن تكلفنا تذكرة سفر.