تذهب إلى السوق، وقلبها يخفق بالفرح، وعيناها كعيني طفلة تحمل بين يديها اللعبة المفضلة. تدخل المكان البارد، وعبير الروائح الزكية، يطفو على رخام مثل وجه السماء الزرقاء، تجول، وتصول، وفي صدرها ترتع غزلان الزهو، ورقصة النظرة الأولى ترتعش بين الجوانح، والجوارح، ومسارح القلب المعنى بأحلام تترعرع بين الأجفان.
تدخل المول، وخلفها خادمة المنزل، تطوي ذراعين مثل أعواد الكبريت على صغير يمص أبهامه، ويُعبث بأنفه الطفولي. تدخل المول والعباءة المزركشة بحلي الزينة، ترفرف مثل علم دولة هزمت أعداءها التقليديين، فرفعت الراية مبتهجة بالنصر المبين. تدخل المول وهي تضم في قلبها ذاكرة التاريخ القديم، والحديث، وتفيض بصور، ومشاهد لامرأة أخرى، كانت قد ابتاعت من هذا المكان، الفستان المعين، أو أسور المعصم الذي شد انتباهها، وألهب مشاعرها، وشغلها عن كل قيد أو مسؤولية.
تدخل المول، وقد تفتحت أزهارها، وأزهرت أغصانها، وتوردت حقولها، وتجددت حيويتها، وانتعشت مواردها، ونهضت سكناتها، وهفهفت أوراقها، ورفرفت أجنحتها، وجرت أنهارها، وأمطرت سحاباتها، وفاضت عيونها، وعذبت مياهها، وصار محياها جمهورية ترفع أعلام النصر، بعد حرب ضروس.
تدخل المول وفي مهجتها نخلة الفرح تدلي عناقيد اللذة، ونشوة البلوغ. تدخل المول وفي قلبها تتفجر ينابيع الحبور، والسرور، وتطفق ريانة، نشوانة، ريحانة، يفوح من وجناتها عطر البهاء، والرخاء، والثراء، والسناء، تدخل المول وهي في الريعان، جملة زاهية بلغة البلاغة والفصاحة، والحصافة ونبوغ الطلعة، تدخل المول، وهي في مجمل الحالات، كائن يتخلق من جديد، وكأنها الجنين مملوء بالحنين إلى وجود يجدد العهد، والوعد، ويمد شراع المودة لفضاء معبق بعطر الحياة، والحيوية. تدخل المول، هي تكنس الذاكرة، بمشط الحاضر، قادمة من الماضي، وما بين الفصلين، ما بين النصلين، مفصل التباهي بعالم يفتح النافذة على فضاء، لا يشوبه غبار، ولا تتعلق ببوحه خوار، أنها امرأة اليوم، لها من حواديث الزمن ما يجعلها تفر من قسورة الغرف المغلقة، إلى باحة مفتوحة على الهواء الطلق. تدخل المول وهي مفعمة بالرغبة الجامحة، بأن تكون في المشهد جملة مفيدة، لها حروفها الأبجدية الفصيحة، وبلا رتوش، أو خدوش، تدخل المول وهي على موعد مع الفرح، ومع رشفة من قهوة ساخنة، تبلل شفتين، وتعلل مهجة اليوم البهيج. تدخل المول وهي مكسوة بدفء النهار خارج البيت، بعيداً عن الفراغات الضيقة.