القاضي الأميركي الثمانيني فرانك كابريو، نال شهرة واسعة في عالمنا العربي والعالم إجمالاً، رغم أن محكمته أو منطقة عمله تبعد عنا آلاف الأميال. فالرجل الذي يرأس محكمة في منطقة بروفيدنس برود إيلاند في شمال شرق الولايات المتحدة لم يكتسب شهرته الواسعة العالمية فقط لمجرد موافقته على الظهور في برنامج تلفزيوني باسم «ضُبط في بروفيدنس»، بل لطريقة إدارته المحكمة، والتعامل مع القضايا والأحكام التي يصدرها في الجلسات التي يبثها البرنامج، وهي التي حققت أعلى نسب مشاهدة، قيل إنها بلغت نحو 100 مليون مشاهدة، منها حلقة شوهدت 30 مليون مرة على «يوتيوب». ففي كل جلسة قصص إنسانية في مجتمع لا يعرف الكثيرون منا عنه إلا ما يشاهدونه في أفلام هوليوود وناطحات السحاب. قصص لمجتمع متعدد الأعراق، ومن وقائع فئات في قاع ذلك المجتمع.
وأهم ما في أسلوب القاضي كابريو أنه يطبق روح القانون قبل نصوصه الجامدة، وبلمسات إنسانية تكسب تعاطف كل ما يتابعها. ولا تتصور وجود أشخاص في مجتمع أكبر اقتصاد في العالم تمثل 30 أو 50 قيمة مخالفة سرعة أو مواقف، عبئاً مادياً كبيراً يعجز عن سداده ليتدخل القاضي المعروف بتعاطفه مع هذه الفئات، ويعفيها من الغرامة.
في إحدى الحلقات، أعفى القاضي كابريو الفتاة من غرامة مواقف ارتكبتها لأنها أوقفت سيارتها في موقف بعيد عن مواقف السكان الخاص بها، بعد أن بررت فعلتها بعدم عثورها على موقف، ما اضطرها للوقوف في موقف منطقة أخرى تعرضت فيه سيارتها للتخريب.
تطبيق روح القانون قبل نصوصه الحرفية فن وأسلوب لا يجيده كثيرون. فالقانون وضع ليس فقط في جانبه العقابي الرادع فحسب، بل له جانب تهذيبي وتربوي يعيد بناء شخصية المخالف. وشاهدنا من ضمن حلقات ذلك البرنامج كيف عاد رجل بعد عشرين عاماً ليشكر القاضي على تعامله معه، والحكم الذي أصدره بحقه، وجعل منه إنساناً آخر.
تطبيق روح القانون قبل النصوص الجامدة له وللوائح التنفيذية المرتبطة به، فن وروح ورسالة لكثير من المتكلسين في أروقة المكاتب، وهم بحاجة له ليس فقط لخدمة العاملين معهم، بل ولجعل بيئة العمل سعيدة ومريحة، وقس على ذلك أي مرفق من المرافق وليس فقط المحاكم التي تصدر الأحكام، وتمثل علامة فارقة ونقطة تحول هائلة في مصير المحكوم عليه وأسرته لسنوات مديدة.