بعض النساء يواجهن محنة الخوف من فوات الأوان، ولا يصحو من تنتظره. بعض النساء يعشن فصلاً من فصول الشتاء القارس، ويشعرن بالبرد، كلما خطر لهن شكل العلاقة مع الطرف الآخر. بعض النساء يرافقهن خوف من عدم القبول، أو بالأحرى نفور الطرف الآخر، فيبادرن بالهجوم المباغت، بأسلحة قديمة لا تخدم الود، ولا تقدم عوناً لضعيف أنهكه الوخز، وأضعفه الزجر، إنه سلاح أشبه بسلاح بعض الدول التي تعيش على وهم القوة ومن دون قوة.
عندما تسمع امرأة تتحدث بتذمر وسخط عن الطرف الآخر المتطفل والمتزلف، والذي يقدم نفسه كهائم ومحب ولهان، أمضت قلبه العيون السود والكاسيات والنايفات السامقات الباسقات الفائضات جمالاً وجلالاً.
عندما تسمع مثل هذه اللغة، وتتأمل اللوحة التشكيلية التي أمامك، وتلمح الخربشة في الألوان والخطوط تثق بعينيك وتكذب كل ما طرق مسمعيك، وتفكر في هذا الشأن الأنثوي المتميز بدهاء التخيل، وتوصيف الأشياء على غير طبيعتها، ورسم صورة خيالية موغلة في تأليف قصص ألفريد هتشكوك، وأجاثا كريستي، وغيرهما من كتاب الخيال البوليسي المشوق والمرعب أيضاً، تستطيع المرأة، أي امرأة، أن تستنسخ الصور، وأن تلد آلاف المشاهد المدهشة، وأن تجمد الأعين والآذان، وكل الحواس الخمس إذا أرادت أن تستعمر أرضاً وجوهها من الذين يحبون مثل هذه القصص، ويستسيغونها، كمخيال أنثوي يثير الشفقة أحياناً، وأحياناً يضرب عنق زجاجة القلب، ويقذف بنثارها على أرض رملية، بحيث لا يستطيع أحد جمع ما تناثر. ليس هذا عيباً في المرأة، وإنما هو يعبر عن لا شعور أنثوي جمعي يضع حداً لجبروت تاريخي قضى على كثير من ذرات العقل، وهو يرسخ في الذاكرة قوة المادة على الروح، والمبالغة في ذلك جعلت المرأة تخرج من فم الأسد زئيراً مدوياً ومخيفاً، وبخاصة عندما تبدأ الدمعة الساخنة ترسم صورتها المتسربلة بخيوط أنوية أشبه بخيوط الصيد، تطوي كل من يعترض طريقها إلى حياكة كذبة جديدة.
صناعة من يد فنان اسمه التاريخ وضع المرأة في خانة الدفاع دوماً، وحتى وهي في دور الهجوم تكون تدافع عن حياض، تود دائماً أن تكون ذات وضعية جمالية لافتة، ومحبوبة، لأن التاريخ قال لها كوني جميلة حتى تكوني مؤثرة، وتحت سياط هذه الكذبة تخرج المرأة بتصورات، جلها من أكاذيب التاريخ، ودهاء حيله، وعظم مكره، وفظاعة تدبيره.