هل تتذكرون الجامعة العربية؟ وهل تتذكرون اسم أمينها؟ وهل أحد يسأل عن حالها؟ ولولا نشرات الأخبار ما سمعنا بأحوالها بعد أن غابت وغيبت، جامعتنا العربية، خيمتنا القديمة منذ أن نصبها العرب عام 1945 وهي ما تزال عرضة للريح، وعرضة للمطر، تعشب سنة، وتمحل سنين، كبرت المدن العربية، كبرت القبائل العربية، كبر الزعماء العرب وتبدلوا واستبدلوا، بنص البيان رقم واحد، والخيمة على حالها، تنقض غزلها، ثم تغزله، تقاوم رياح التغيير، وتذرية العواصف العربية التي لا تدري متى تهب؟ ولِمَ تهب؟ وكيف تهب؟ انهار الاتحاد السوفييتي، وتحطم سور برلين، وكاد أن يتزلزل سور الصين العظيم، وأميركا تغيرت ولم يعد يحكمها روزفلت، وبريطانيا هرمت وشاخت، وصارت تابعة لا متبوعة، ولم تعد أساطيلها تجوب بحار العالم، تصبّح على عين الشمس في مطلع مشارقها، «السير اليكس دوغلاس هيوم» مات، و«تشرشل» مات، والخيمة لا يهزها تحرك العالم ولا تصدعاته، مقيمة ما أقام عسيب، لا نحيب فيوجعها، ولا ترنيم فيشجيها، طالتها وتطاولت عليها أبراج الزجاج، والعمارات خاتلتها حتى حوطتها من كل جانب، الطرق المعبدة تمددت كثعابين سود تسعى بضجيجها وأوادمها وعوادمها، النخلتان المخلصتان اللتان ظللتاها سنين، وقاومتا الوقوف طويلاً، أصبحتا كشبحين رماديين، لا ترى لهما من باقية، والخيمة هي الخيمة، لا يمزق حجابها، ولا يكسر عمادها صفير ريح البراري ولا صخب الموج العاتي.
خطب ودها «عبد الرحمن عزام»، و«عبد الخالق حسونة»، و«محمود رياض»، و«الشاذلي القليبي»، و«عصمت عبد المجيد»، و«عمرو موسى»، كان الكل يريدها أن تغير لبسها، تكون في مكان أفضل، وفي موقع في القلب أفضل، لكنها تعرف العلة، وتعرف أبناءها، وتعرف أكثر من غيرها الوجع، علتها لم تكن في المكان، ولا في رجل الزمان، ولا في أساس البنيان، العلة في توحيد كلمة الأشقاء. وقبل 42 سنة، اجتاحها طوفان السادات، ثم اجتياح بيروت، واحتلال الكويت، وغزو العراق، وتعرضت الخيمة للاقتلاع من جذورها، بعد أن مادت بها الأرض، وشلت أركانها، وكادت أن تكون الضحية، وكاد دمها أن يتفرق بين القبائل المتناحرة، بين عاشق، وغارم، وطالب ثأر، ومشعل فتنة، وحامل كفن، وهمّاز مشّاء بنميم.
ومنذ عام 1990، كان هناك حديث عن تغيير في الهيكل، وفي الميثاق، وفي الأخذ برأي الأغلبية، ورفض الإجماع، لقد كانت سنوات ماطرات تبشر في أولها بطلع وعشب وماء وكلأ، قلنا: استبشر العربان، فلا غزو هذه السنة ولا كرّ، ولا حرب، ولا فرّ، سمنت المواشي، ودرّ الضرع، واخضر الزرع.
وفي الشهر الخامس من عامنا الخصيب ذاك، كانت بغداد تحتفي بالإخوة تحت سقف خيمتهم، يتبادلون قريض الكلمات، ومطر الابتسامات، والفرح بالنعمة والتجديد، وبعد ثلاثة أشهر متتالية، امتلأت الأرض التي كانت معشبة، بالجند والعسكر والخيام، وحدها خيمة العرب كانت ترقص تحتها النيران!