عندما تقول المرأة للرجل أنت لا تحبني، ولذلك أنا أكرهك. وبالمثل قد يقول الرجل للمرأة، فتنشأ بداية الطلاق العاطفي، ثم يتلوه الطلاق الجسدي. علاقة مشروطة تتخبط فيها المشاعر بين الشد والجذب، وبين الصدق والكذب، وبين الأخذ والسلب ونصبح في الكذبة الكبرى مشروطين بعلاقة واهنة وراهنة، لا جذر لها، ولا بذرة يمكن أن تشرب من الماء دون أن تسأل من أي جدول جاء.
وعندما تحضر الشروط يتولى النفاق الذي يطلق عليه جزافاً، مسؤولية قيادة المركبة، وبين مطبة وأخرى تقع في الطريق الكثير من المشاعر سهواً أو لهواً، ويصبح العبث طريقة مثالية في تسيير
القافلة، وتصبح العلاقة بين طرفين غرقا في علاقة وهمية تتقاذفها هموم الصور الخيالية ذات الألوان الرمادية، يصبح الطرفان أمام مفترق طرق مشوبة بالشك، ومغسولة بماء ضحل، يشوه ولا ينقي الثوب الأبيض من الدنس.
لوسألت الوردة لمن هذا الأنف الذي يشم وريقاتها، لأمضت عمراً طويلاً وهي تهذب بوحها، وترتب رائحتها، حتى لا تقع في محظور الألوان والأعراق البشرية. الوردة لا تفعل ذلك، بل هي تبرز في الوجود كما هي من دون ترتيب، ولا توظيب، ولا تهذيب، هي هكذا بتلقائية، تتفتح وتنثر عطرها وبلا تمييز، ولذلك لم تزل الوردة في الحقل جميلة وبراقة ورائعة، ونفاذة برائحة يتلو عطرها كل من يحب الجمال، وكل من يعشق الرقة والدلال.
مشكلتنا في العالم أننا نخرج من كهف تعدد الألوان، والروائح والأشكال، الأمر الذي يتعب ذاكرتنا فنظل في صلب الأسئلة البلهاء، نظل في التقلب على صفيح الصدأ، ممتلئين بغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يقذفه في أرواحنا (الأنا)، ونستمر في الأنوية نبني لنا بيوتاً عنكبوتية، تضللنا وتخيم على رؤوسنا مثل غيمة صيفية قاتمة، ولا تجعلنا نرى غير أصبع الإبهام الذي يشير إلى هناك، ولكننا لا نعرف أين هو ذلك المكان الذي يشير إليه، لأننا لم نزل تحت الغيمة وفي كنف الضباب الكثيف، نحن في قلب عاصفة الأنا، وفي محط أنظار أنانيتنا، ولذلك لا نسأل أنفسنا لماذا لا نحب شخصاً ما؟، بل نطرح سؤالنا الممل، لماذا لا يحبنا هو؟، الأمر الذي يجعل المسافة بين طرفين أنانيين، أوسع من ضفتي المحيط، وأبعد من الغيمة التي تراقب وصولنا إلى الآخر.
لو استطعنا رمي الشروط، وتحللنا من أكفانها، سنكون أجمل ونكون أصفى، وسوف يؤم الآخر قلوبنا من دون عواقب ولا نواكب. سنكون والآخر في موسم ربيعي تزهر فيه الورود، وتورق الأشجار، وتزدهر الأنهار، ويصبح الحب جدولاً أصفى من الشهد.