دع طفلك يسأل، ولا توقف مجرى النهر، كي لا يفيض وتغرق الأشجار في حقلك. دع طفلك يتأمل ولا تغلق الباب خلفه، وتمنعه من رؤية السماء. دع طفلك يتكلم، ولا تمنع فمه من البوح.
هناك الكثير من الكلام على الطفل أن يبوح به، وعليك أن تفتح نافذتك كي يمر الهواء من خلالها. هناك لغة تحتاج أن تمتلك قدمين، ويدين، كي تمشي بحرية ولا تعرقلها صرختك المدوية، فتفجر الأرض من تحتها، وتحيلها إلى رماد.
لا تجعل طفلك قدراً كاتماً، فيتكاثف في جوفه البخار، حتى ينفجر، ويحول مطبخ الحياة إلى قاع صفصفاً. هناك فكرة لم تزل في طور النمو، تحتاج إلى بيئتك الحيوية كي تنضجها، لا تكن صحراء قاحلة، تميت الزرع والضرع، وتفتح فوهة التراب المسمم بالغبار.
كن جدولاً يتسرب في شريان الزهر، فيمنحه النضارة، ويمنحه العطر، ويمنحه اللون الزاهي. كن لغة في شريان القصيدة، تمنحها الوعي بحلم الحياة، تمنحها الأمل بتعشيب الأرض وتخصيب الوجود. عندما تكون أنت الفضاء الوسيع، يكون طفلك السحابة، تكونان في الوجود طائرين بأجنحة القواسم المشتركة.
عندما تكون أنت النهر، يكون طفلك السنبلة، تكونان في الحياة الظل الكثيف. عندما تكون أنت الشجرة، يكون طفلك الغصن، تكونان في الحقل عشاً، السماء العملاقة سقفكما. عندما تكون أنت كتاباً مفتوحاً، وطفلك الكلمات التي تمر عبر سطوره، يصبح الفكر شارعاً لا تحده الإشارات الحمراء، ولا تعرقله صفارات الإنذار، ولا تعيقه العجلات المتهورة. عندما تكون أنت الشفتان الشفيفتان، يكون طفلك الرضاب، تكونان كأساً بمذاق الزنجبيل. عندما تكون أنت الأذن الرهيفة، يكون طفلك الموال الشجي، يطرب البحر، فتعزف الزعانف لحن الخلود، ويتجلى الأفق، بميلاد مجتمع لا تغشيه غاشية الكبت.
عندما تكون أنت أنشودة، يكون طفلك الوتر، وتكون الأسئلة على شفتيه الدوزنة. عندما تكون أنت البحر، يكون طفلك الموجة التي تمشط جديلة الأفكار، تكونان عقيدة منقاة من العقد، والكراهية. عندما تكون أنت الجبل، يكون طفلك الصخرة التي تدل على وجود المعدن النفيس، تكونان كنز التاريخ، يحتفي به الوطن. عندما تكون أنت الكأس، يكون طفلك الرشفة، تكونان النخب على شفا النهر. عندما تكون أنت الغيمة يكون طفلك القطر، يكونان المطر، وتكون الأرض وعاء التلقي، والتساقي. عندما تكون أنت السفر، والرحلة المبهرة، يكون طفلك القارب الذي يعبر، ويمر بلا عقبات، ولا نكبات. تكونان في المجمل وحدة الوجود، تكونان التناغم في ثنيات الأبدية، تكونان الحلم البشري في أن يصبح الكون شجرة الإنماء، ونفث أوكسجين الحياة في القلب والعقل.