غفت من قلق ومن تعبٍ ومن يأس ومن كآبة تشتت خطواتها على مدار الأيام، على وسادتها التي طرزتْ على قماشها بخيط ذهبي:
«وسادة الكبرياء» فلاحَ لها في الحلم طيفٌ غريب له ملامح شبح آدمي راح يهزها ويقول لها: هيا استيقظي من غفوك البائس هذا على وسادة الكبرياء، وتأملي من حولك، أولئك الذين يلهثون خلف أخذية الأوصياء. وأنت على حالك دوماً منذ سنين مرت. فلا نار في موقدك، ولا رغيف في يدك ولا لشفاهك الظمأ وعدٌ بقطرة ماء. ولا حول إلا اليأس حولك، ولم ترتجي كل صباح ومساء إلا تهاويم الرجاء. نعم أعرف أنك أبدعت ونقشت حضورك على صفحة الأعوام. أنجزت كتباً ستظل مجرد تعريف لذكراك يعصى على النسيان. وأعرف كم أبحرتِ في محيطات الحياة، وشرقتِ وغربتِ لكنك لم تجدي مرفأ يأوي سفينتك، ولم تجدي في البحر لؤلؤاً ولا مرجاناً. ولم يمنحك نقشك بحبر المحبة والسلام سوى حفنة من الهباء. وحين رآها لم تستيقظ من غفوها البليد، عاد يهزها ويصرخ بها: هيا استيقظي وتأملي دنياك التي غدت صحراء بلا شجرٍ ولا نبعٍ ولا طيرٍ يغرد فوق غصنٍ، ولا ورد يعطر وحشة الصحراء. فهيا انهضي.. انهضي ولا تغفي من يأس ولا تحزني، وسيري على هدى الذين لا يدركون في حياتهم معاني الكبرياء وتعلمي فن التسول مثلهم كي تربحي رغد الثراء، وتترنحي مزهوة بين صفوف الأغنياء.
فصرخت في وجهه مذعورة: هيا ابتعد يا شبح الضلالة.. هيا ابتعد. فلست من يتقن التسول والمديح والتدليس، ولم أنحني إلاّ في صلاتي لرب العالمين منذ صباي، كل مساء وصباح. فقهقه ساخراً وقال لها: غريب أمرك، كأنك لا تنتمين إلى هذا الزمان، ولا إلى الماضي الذي لم يتبعثر في الثرى رغم مئات السنين. والذي نقشت على صفحاته فن المديح الذي أتقنه الشعراء في الأمراء والسلاطين. وتذكري أن بعض الشعراء الذين لم يتقنوا ذلك الفن عاشوا على حافة الفقر مثلك، ولم تدوّن سيرتهم إلا على صفحات كتب صفراء. فمن أنت إذن؟ ومن أين استقيت معرفة لم يُعترف بها؟! وأين التماع نجمك في رحاب هذا الكون؟ وأين موقعك في هذي الأرض التي تحوي الآن ملايين البشر؟ ومن سيحتفي بك في حياتك، وينقش سيرتك بالحبر أو بالحناء أو بحروف الذهب على كفٍ كريم من عطايا القدر؟ صحت من حلمها مذعورة من شبح أهان في روحها شموخ الكبرياء. وكفكفت دمعها ولعنتْ حلمَ اليأس حين يشدها إلى غفو يراوغهُ البكاء!