قبل أقل من عشرة أيام، ومن خلال هذه الصحيفة التي أتشرف بالعمل فيها، كتب المفكر الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، محذراً في مقاله الشهري بـ «الاتحاد» من تفاقم جريمة الشهادات المزورة في مجتمعاتنا، ووصفها بأنها جريمة في حق الحاضر والمستقبل، وأشار إلى أن أحد العوامل التي تدفع بعض ضعاف النفوس إلى تزوير الشهادات العليا، خاصة الماجستير والدكتوراه، أو الحصول عليها بطرق ملتوية، هو الوصول لترقية أو منصب قيادي. وهي في كل الأحوال جريمة بشعة بمعنى الكلمة لأنها تدمر الثقة والمصداقية، وفي الوقت ذاته فإن مرتكبها شخص لا يمكن ائتمانه باعتباره خائناً للأمانة. فالذي تجرأ على هذا المسلك المشين، سيكون على استعداد لارتكاب أي شيء آخر وأخطر ليمضي في تحقيق أهدافه، وبالأساليب والطرق الاحتيالية ذاتها.
وقبل أن تمر عشرة أيام على تلك المقالة، وجدنا أنفسنا أمام الواقعة التي أعلنتها هيئة الصحة في دبي بإيقاف طبيبة عن العمل ريثما يتم التأكد من شهاداتها، لتصبح الهيئة من جديد في عين عاصفة من الانتقادات حول الكيفية التي يتم فيها تعيين طبيبة واعتمادها للعمل دون التأكد من شهاداتها.
وكانت الهيئة قد تعرضت لانتقادات واسعة قبل أشهر إثر استضافتها حفلاً كانت إحدى المكرمات فيه لا تمت للحقل الطبي بصلة وحاضرة بملابس غير محتشمة، ولا تراعي طبيعة مجتمعنا المحافظ.
هناك ثغرات موجودة ينبغي أن تتم معالجتها حول تسرب أمثال هؤلاء لمناصب قيادية. ويصبح الأمر خطيراً للغاية عندما يتعلق التزوير بمهن على صلة بحياة الناس وسلامتهم.
الواقعة الأخيرة لم تتحرك الهيئة فيها إلا بعدما انتشرت التفاصيل عن الطبيبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد الانتقادات والتساؤلات الواسعة التي تلقي بظلالها حول الصورة العامة للقطاع الصحي والطبي الذي نراهن على دوره ليس فقط للارتقاء بهذا القطاع فحسب، بل باعتباره أساس وعماد السياحة العلاجية التي شهدت خلال السنوات القليلة الماضية قفزات واسعة. ويدرك المسؤولون في الهيئة أن غالبية القادمين للعمل في هذا القطاع من بلدان آسيوية موبوءة بآفة التزوير، الأمر الذي يستوجب المزيد من التدقيق والاختبارات للمتقدمين. لقد تابعنا كيف أنهت مؤخراً إحدى البلدان الشقيقة عقود عشرات الأطباء الآسيويين بعد أن أخفقوا في اجتياز المتطلبات والمعايير التي وضعتها جهات الاختصاص هناك رغم أن بعضهم كان يمارس الطب فعلاً!!.