الدراسة السويدية التي أتعبت الباحثين والمستقصين ومدوني البيانات طوال فترة، على عينة كبيرة ومختلفة من البشر، أثبتت في النهاية أن المال شيء ضروري للحياة وسعادتها، ضاربة بعرض الحائط النظرية المصرية القديمة «الفلوس مش كل حاجة.. وزي الشرف ما فيش، والشرف زي عود الكبريت».
بصراحة أولاً السويديون أتعبوا أنفسهم على الفاضي، وبدون داع، ولو جاؤوا إلى أحد الأصدقاء ممن يطبقون فلسفة خاصة في أيديولوجية رأس المال، وجدلية السعادة والفلوس، وطبقوا نظريتهم عليه، فسيختصرون الوقت والجهد، ويكتشفون من أول وهلة أن المال عنده، لا الرجال هو الأهم، وهو عنده جالب الفرح والسعادة، ومنشط الدورة الدموية، ورافع الأدرينالين، ومزيل الاكتئاب، وجاعل القدمين أكثر ثباتاً على الأرض، لأنه لو نقص ماله، فسوف تجد جسده فجأة مرضوضاً، وكأنه يعاني من كساح، وتبدو عليه بوادر السعال الديكي، ويشعرك أن كثيراً من الأمراض الفتّاكة ستهاجمه بغتة، ويصبح لا يعرف أين يقْبل بوجهه، ويمسي لا يحب زوجته فعلاً، ويتهيأ له أنها سبب مباشر في الكوارث البيئية، والأزمات الإنسانية، ويغدو ليس له خاطر في فعل أي شيء، إلا سماع طقطقة ماكينات الصرف الآلي أو يبشر بصك مصرفي على البياض، لكي لا يظل وجهه مسوداً وهو كظيم، «ولو الود ودّه يلايمونه بكبّ أو يسحتونه بعصا، بس عقبها يكون جيبه ممزوراً»، وقد سألته مرة لو قيض له العيش في فترة بداية ظهور الإسلام، هل يختار أن يذهب في قوافل قريش مع أبي سفيان في رحلة الشتاء والصيف، ويبقى على دين الآباء والأجداد أو يدخل في الإسلام، ويتآخى مع أحد فقراء الصفّة، كأبي ذر أو أبي هريرة، ويتقاسم معه ماله، وربما يجندل في أول معركة يخوضها المسلمون مع كفار قريش، فقال: مالك.. دينك! فقطعت جهيزة قول كل خطيب.
لكن بعيداً عن التندر، ومحاولة سرقة الضحكة، لو سأل كل شخص نفسه، فسيجد جواباً يرضيه، ولا يحتاج لبحث ميداني استقصائي، فالقناعات أحياناً لا تزعزعها أعتى الدراسات، وبإمكان شخص أن يقول لفترة: العلم يجلب المال، ويعاكسه آخر: بالمال يمكن أن أسخر العلم، وآخر يقول: السلطة أو القوة هي التي تجلب المال، فيجاوبه آخر مختلف معه: لا سلطة ولا قوة بلا مال، لكن حين نصل في الطرح بين السعادة والمال، فيجب أن نتوقف قبل أن نجعل أيهما الفاعل أو المفعول، لأنهما أكثر تعقيداً، باعتبارهما منشد الإنسان، وصراعه الدائم، وعليهما ترتكز الحياة، وجدليتها وتجلياتها!