لم أكمل قراءة رواية تمثال دلما، ولكن توقفت عند الباب أو مدخل الحديث عن الحياة القديمة في جزر الخليج العربي، بدءاً من دلمون تلك العلامة الفارقة التي يذكرها التاريخ البحري القديم، وعبر كل الغزوات القديمة لبحر وجزر المواقع المهمة في الخليج من باب المندب إلى البصرة وسواحل الخليج العربي.
دلما الجزيرة التي أحبها كثيراً لاسمها اللامع مثل نجمة في سماء البحر، لتاريخها القديم والحياة المهمة التي عاشها أهلنا على امتداد الساحل، تلك الخاصية العظيمة لجزيرة تسكن الأعماق والأفئدة، وأيضاً أعماق بحر الإمارات والخليج العربي، ليس هذا وكفى، وإنما يسطر التاريخ أنها كانت محطة مهمة لحياة مختلفة، عاشت فيها أديان قديمة وحضارة قديمة.
رواية تمثال دلما، للروائية الإماراتية ريم الكمالي، تلقي الضوء على حافة وحاشية التاريخ تلك، لم أنته من قراءة الرواية، وقد تكون لي عودة في المستقبل، ولكن منذ البدء لا تستطيع أن تبحر خلف العمل الروائي هذا، ولكن تتوقف لتعيد ما تعرف وما لا تعرف عن مفاجأة البدء، كيف يصنع الفنان «نورتا» والراهب والكاهن فلسفته وحياته، كيف يمد الحكاية بين ما يصنع ويبدع من فنون النحت، كيف يبني تمثالاً منذ ولادة الحجر، بل كيف يختار الصخور والأحجار التي تناسب أن يكون التمثال قوياً، صلباً ومقنعاً بأنه يحمل قيمة فنية وإيمانية، والأهم أن هذه الجزيرة الحارسة لمياه الخليج العربي، كانت بهذه الأهمية والقيمة العظيمة في غابر التاريخ، تماماً مثل دلمون القديمة، وهل الحكاية واحدة أو ممتدة بين تلك الجزر المهمة في بحر الخليج، هذا ما تقوله الحكاية، وهذا ما تبدأ به الرواية نسج خيوطها، سوف أبحر خلف هذا العمل الروائي الجميل، والكاتبة بهذه الرواية تكمل عملها واشتغالها السابق رواية «سلطنة هرمز».
دلما عرفتها منذ سنوات، عندما كنت أتابع العمل الذي يقع على مسؤوليتنا في وزارة التربية، كنا نقطع المسافات والبحر من دبي إلى المنطقة الغربية ثم الرويس وبحراً إلى دلما، عندما شاهدتها أول مرة كانت جزيرة تخطف الألباب لموقعها الفريد والعجيب، تتوسط البحر يحيط بها امتداد أزرق عميق جداً ومسافات طويلة، نعم تلك الجزيرة الرائعة الجميلة والمهمة كيف صنعت كل هذه الحياة منذ غابر العهود والأزمنة، وهذه الرواية الجميلة تطرق غابر التاريخ، بقلم روائية لها خط في الكتابة مختلف عن ما نراه، وأرجو أن تتمسك به.