كان يا ما كان في قديم الزمان.. تبدأ فنون تربية الطفل الإماراتي منذ ساعاته الأولى على كوكب الأرض، فيرفع في أذنه اليمنى الأذان ثم يهبه أهله أجمل ما فيهم من طاقة وما لديهم من علمٍ وثقافة، فيبسملون عليه عندما يحملونه، ويستبشرون بصحوته من النوم، ويرددون الأهازيج المختلفة لتهدئته نفسياً للاسترخاء والاستمتاع بمرحلة نموه الأولية. وكانوا ما أن تبرق عيناه حتى يمنحونه صباحاً غير صباحهم، وكأن الطفل زائرٌ في عالمٍ آخر، فيخلقون له بيئة بعيدة كل البعد عن التحديات التي يمرون بها، فيتغنون له ويهزجون: «صباحك صباحين صباح الكحل في العين.. صباح الناس مرة وصباحك صباحين».
لقد تربينا على الإيمان والخير والفن الذي أتحدث عنه أنا. لم نسمع من أهلنا يوماً نعتاً مسيئاً لشخصنا أو شخصيتنا. كانوا يؤدبوننا بالتحليل والتفكير اللذين عززا التفكير الخلاق والذكاء الاجتماعي المطلوبين للعيش في ظل منظومة الحياة في مراحلها اللاحقة. فبدلاً عن نعتنا بالكذب مثلاً كانوا يذكروننا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان صادقاً أميناً، وأن المسافة من مكة المكرمة إلى بلادنا مسافة بعيدة ولكن الصدق وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أوصلت دين الحق الذي يدعو به إلى بلاد ما وراء النهرين وبلاد الهند والسند والصين؟
وفي منطق طفلٍ صغير يود أن ينال النعوت الحميدة والمدح، يسعى الطفل لكسب تلك الصفات، بل كان يضعها نصب عينيه ومحور حياته. كان أهلنا يعرفون حق المعرفة أن الصفة تعلق بالشخص فلا يلومون ولكنهم كانوا يهذبون بالحكمة والكلمة الطيبة والمنطق والعقل. وكانوا يعرفون أن القرار المستعجل ونتائجه السلبية إنما هي ظرفٌ مؤقت لا يحاسب عليه المرء بالنعوت والصفات التي تعلق في أذهان الناس كما يفعل «السوبرجلو»، وكانوا على يقين من قوة القيم والمعاني الإنسانية الثابتة المستمرة.
للعارفين أقول: بعيداً عن فلسفة المثقفين هذه هي الأخلاقيات التي تربينا ونشأنا عليها، وعن طريقها تعرفنا إلى فنون التربية والحكمة ومدارسها المختلفة في الفلسفة والحضارة الإماراتية العريقة. هناك حاجة أكيدة لتعريف الجيل الصاعد بهويته الوطنية حتى نربي أجيالاً قادمة على المفهوم الإماراتي الذي أصبح نموذجاً حياً للعالم بأكمله. ولنتذكر مجموعة الأمثلة التي وهبت الطيبين صفتهم والتي تكرس الانسجام مع الذات والسمو بالأخلاق. يقول المثل «حد احشمه وحد احشم عمرك عنه»... التسامح في أبسط صوره.