يا أيها الليل المتدثر بالضلال والظلام. أسرع خطاك إلى الضياء. فلسوف أنسج أحلامي وآمالي على ضوء الصباح. وأرنو لحلم الغيب من حولي، وأمسح غيبوبة الخذلان. فلي رشفة القهوة الجذلى. ولي لغتي التي تنقش أيامي على وهج الزمان. لي مفاتيح المغلق في الحضور وفي الغياب. ولي بهجة العائدين بأبهة القصيدة كالكنوز.
أنا أدرك أن الله لم يبعث العواصف إلى لجة البحر ليمتحن الشراع. أو يبتلي الأمواج بمرساة الخنوع. فالبحر حلم المبحرين إلى مرافئ الأمان والأحلام والسلام. والله أجمل وأعلم من يحيط بآمالي وأحلامي، ومن يرخي قياد الموج إذا احتدم بمسراي المحيط.
أي اغتراب عارم يلف هذا الكون؟ وأي متكئ تأوي إليه سرائري؟ وأي أرض أستجير إذا المرافئ والتضاريس تمادت في اختلاط مبهم، أو نأت في غياب من نصال الموت والحرائق والدمار. يا إلهي.. موحش هذا المساء، وموحش كل مساء لا يفتح الفل براعمه للمسة كفي. ولا الورد البهي يرشني بفتنة عطره. ولا الغصن النضير ينحني لحنان قلبي. ولا سحب توعد بالهطول على قحل أرضي.
يا الله.. لماذا هذه الوحشة تعصف بي. وهذا الليل، هذه العتمة، لماذا يمتد ويطوي مباهج غفوتي وسكوني؟ لماذا يوثق الرغبات في حبائله، وينأى بوهج الروح التي تنسج الأيام والعمر، كأنها أسيرة في شباك؟ هذا الليل.. هذه الوحشة القصوى، من يستطيع أن يطعنها بالأنس والمحبة والفرح؟
سلام لي إذا أيقنت أن الليل يعقبه النهار. سلام لي إذا أيقنت أن البغض تعقبه المحبة.
سلام لي إذا أيقنت أن العصف يعقبه الهدوء. سلام ليقيني المطلق بأن الموت يعقبه النشور. فمن أين يأتيني هذا الحزن ويدفق في شراييني كالينبوع، مرٌّ بارد كرعشة الموت. كنضوب الدم في نبضة القلب. ويهدر كعضة الشهوة لبهجة الحياة. وكالأمواج في غضب العواصف؟ من أين يفاجئني كزلزال وينثرني شظايا في استعار الحمم؟ يا إلهي.. هل أنا نجمة أسيرة في دورة الأفلاك؟ أم أنا سر غريب لا يفسّر كنهي الغامض إلا بوحي من رؤاك؟ يا إلهي.. كم نأى هذا الزمان المر بأحلامي. وشاخ الحقل والزهر، وأيقن الماء أن الطين أجدب في سهوب العمر. وإني إن حرثت فحرثي الملح. وإني إن شذّبت غصني، مآل نسوغه الموت. وإن دوّنت في هذه اللحظة وفي كل مسار العمر، سيرة أشعاري وإبداعي على صفحة الأيام والذكرى، تعثرتُ بيأس اللحظة الأخرى. وإن توهمت أن الليل سينحسر، سيضحك الليل من وهمي وأمنيتي وسيأتي الليل بعد الليل، وإن راوغني التوق إلى الفجر!