قبل سنوات لم تكن هناك فيتنام، لم يكن لها مكان يذكر على الخريطة الآسيوية، حتى عندما قابلناها في كأس آسيا 2007، وتمكنت من هزيمتنا، اعتبرناها مفاجأة أو حدثاً طارئاً غير قابل للتكرار، على الرغم من أن المباراة أقيمت بحضور 40 ألف مشجع، تعاملوا مع أحداثها كأنهم أمة كروية عريقة ومتعصبة.
غابت بعدها فيتنام عن المشهد، واعتقدنا أنها لن تعود من جديد، ولكن عندما يكون هناك عمل ما، فليس بالضرورة أن تراه، حتى تكون شاهداً عليه، يكفي أن تلاحظ نتائجه، حتى تدرك قيمته وتلمس جودته، فقد توج منتخب فيتنام بطلاً لمسابقة جنوب شرق آسيا، قبل عدة أشهر، كما وصل إلى المربع الذهبي في دورة الألعاب الآسيوية الأخيرة التي أقيمت في إندونيسيا العام الماضي.
في كأس آسيا 2019 تأهل المنتخب الفيتنامي ضمن أفضل الثوالث، وهي نتيجة طبيعية، في ظل مجموعته القوية، والتي ضمت إيران والعراق، خصوصاً أنه يخوض البطولة بتشكيلة هي الأكثر شباباً بين جميع المنتخبات، وفي الدور الثاني نجح في التفوق على المنتخب الأردني بركلات الترجيح، قبل أن يودع البطولة أمس الأول من بوابة الدور ربع النهائي بعد الخسارة من اليابان.
ما حققه المنتخب الفيتنامي يعتبر إنجازاً بمقياس التاريخ والإمكانات المادية، وكسب الفيتناميون احترام القارة الآسيوية، فقد نجحوا في التواجد ضمن أفضل 8 منتخبات في آسيا، أما مقومات استمرار الكرة الفيتنامية ومواصلتها التألق، فهي تعتمد على الكثير من العوامل، وبحاجة إلى مزيد من الدعم من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم و«الفيفا»، من أجل استثمار العشق الكروي وتوافر الإمكانات البشرية الهائلة في هذا البلد المتيم بكرة القدم.
قارة آسيا تضم الكثير من الثروات البشرية غير المتوافرة في الكثير من القارات الأخرى، ومن مصلحة الاتحاد القاري زيادة رقعة الممارسين وتوسيع قاعدة المنافسة، من خلال ضخ الأموال التي يحصل عليها من الرعاية التجارية، وعقود بيع حقوق البطولات، من أجل تطوير كرة القدم في دول مثل فيتنام والهند وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، حيث تفتقر هذه الدول للمقومات الضرورية لصناعة كرة قدم مستدامة بالطريقة السليمة.
لا يمكن حصر المنافسة والصراع الكروي، في القارة الأكبر، ضمن نفس الدول التي اعتدناها كل مرة، والاستثمار في الفقراء سيكون مشروعاً حقيقياً للنهوض بالكرة الآسيوية، فالقارة تضم كثافة بشرية مهولة ولديها مقومات إذا ما أجاد الاتحاد الآسيوي التعامل معها سيكون مؤهلاً لتصدير قوى غير تقليدية تقود نهضة الكرة الآسيوية إلى آفاق جديدة.