في «قصر حصنٍ» منيع من العلم والأخلاق والثقافة، تختال سيدة تقع عليها صفات الشرف والعفة والجمال؛ من يجالسها يرتقي إلى مراتبٍ عُليا يُدرِكُها عندما ينظر إلى الأسفل ليعي ارتفاعه عن الآخرين. السيدة عفراء السمو في ذات نفسه؛ يقول صاحب اللسان إن اسم عفراء هو للأرض البيضاء التي لم تطأها قدم، وهي ليلة الثالث عشر من الشهر القمري للمعان القمر فيها، وهي الظبي في بطء حركته، ويقول العرب إن العفر بالشيء هو تبييضه، ويضيف أحد الشيبان أن عفراء هو اسمٌ للسراب الذي يتركه ضوء القمر على الأرض المنبسطة.
فقلت في خاطري ليس ثمة بشر على هذه البسيطة لا يميل إلى النميمة أو ذكر الناس من قريبٍ أو بعيد، فنصبت (كميناً) وقلت: «تصدقين يا عفراء أن الشر وفاعليه (الفلانيين) ما زالوا يمارسون شرهم، وقد تحول فعلهم من هواية إلى مهنة؟» فضحكت عيناها وقالت: «دكتورة، أصب لك شاياً أو قهوة؛ ترى القهوة فيها هال وزعفران وشوية ورد». ياله من شِـركٍ وقعت فيه فبدوت كالشر نفسه وتذكرت حديث الرسول (ص) «من دل على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله». لقد قَلَبَت عفراء موازين حياتي وفارقتها وفي قلبي حافز لأن أعيش بقية العمر إنساناً أجمل.
دارت الأيام، وجمعنا مؤخراً، فقلت لها: «أيتها الأخت العزيزة أحبك، وأحترم فيك جمال كل شيء، فأنت مثال حي وناطق للقيم السامية ومعانيها الإنسانية» فقالت: «ما عليك زود يا دكتورة!» فقلت: «قررت أن أضع قيمك وسلوكك نصب عيني، نعم هي تعاليم ديننا الحنيف وسنن رسولنا الكريم، ولكن عندما تتجسد لنا الأخلاق الحميدة في صورة إنسان، نستعين بالقدوة كقبسٍ ونبراسٍ من نور الرحمن يخرجنا من الظلمات إلى النور».
للعارفين أقول، عفراء لا تتحدث عن أي شخص، لاسيما أولئك الذين يقبعون في خانة الشر، فعالمها وأجواؤها ومزاجها في خطٍ مستقيم لا تبغي رضى الناس أو الانصياع لعاداتهم السيئة. عفراء هي القمر والجمال والحياة، من كان صديقها كتب الله له خط سيرِ لا يحيد عن الخير وأهله. أعفر الله أيامي معها، فالدروس كثيرة، والدارسون في مشاغل الحياة تجرهم السوالف، فقررت أن يكون عام زايد، طيب الله ثراه، عاماً نُقَوّم فيه أنفسنا، ونهذبها ليكون العالم بنا «عيال زايد» أجمل وأسعد.
يقول جلال الدين الرومي: «عندما تقرر أن تبدأ الرحلة سيظهر الطريق». كثّر الله من أمثالك يا عفراء، أنت الأجمل.