استعدت يوماً، وقفنا فيه وأيدينا إلى السماء، ندعو الله أن يغفر للشيخ زايد «طيب الله ثراه»، وأن يحفظ قيادة دولتنا التي لا تعرف المستحيل. كان يوماً اختلطت فيه مشاعرنا، إذ امتزج الفرح بالتوجس والترقب. فيه شعرنا بقلب أم نبضه يدق في كل بيتٍ في الإمارات، وكان يوماً زادنا الله فيه فخراً وولاءً ويقيناً بأن لا وطن ولا أرض ولا قيادة تحقق آمال شعبها بكل سلاسةٍ واقتدار كالإمارات.
للسفر بعيداً، قررت العودة إلى الوراء قليلاً، حيث يقف اسم هزاع والظفرة التي هو منها. وهزع البوش نقطة الترحال في زمن سفينة الصحراء. يقول لسان العرب عن كلمة «هزع»: «هَزَعَه وهَزَّعه تَهْزِيعاً: كَسَّرَه فانْهَزَعَ أي انْكَسَرَ وانْدَقَّ.. هَزَّعْتُ الشيء: فَرَّقْتُه»، وهذا بالفعل ما قام به هزاع المنصوري؛ فقد كسر حواجز جدار الصوت، وحدثنا باللغة العربية واللهجة الإماراتية. وقد هَمَّشَ التحديات وفرق بين القول والفعل، فزرع في فضاء ليس به جاذبية بذور التسامح والحب والعطاء التي باتت دولة الإمارات تنشرها في المجرة.
يضيف ابن منظور، في شرحه لكلمة هزع ومشتقاتها: «الهَزِيعُ: صَدْرٌ من الليل. وهزيع من الليل أي طائفة منه نحو ثلثه وربعه. الهَزَعُ والتَّهَزُّع: الاضْطراب كقولهم تَهَزَّعَ الرُّمْحُ: اضْطَرَبَ و اهْتَزَّ. الفرس المهتزع: سريعُ العَدْوِ. وهزع الناقة هو إسراعها»، وربما جاء العرب بذلك في تسميتهم لمنطقة «هزع البوش»، التي كانت وعرة فيحثون الجمال على الإسراع في تخطيها، حتى لا تعلق في رمالها الوعرة. وكعادة الإماراتي الذي يحول المستحيل إلى حقيقة، والصعب إلى إنجاز، ينسج الشاعر أحمد بن فاضل آل غنَّام المزروعي أبياتاً، يصف فيها نسيم البر، وتضاريس المحب، وهزع البوش، فيقول:
حي بْهــبوب بايـت يلــوف ما بين هزع البوش وبْراق
نشّيت يوم تْحقق الشوف يوم المـــلا بالنــوم غــرّاق
***
للعارفين أقول: العلم مسؤولية، وكلما زاد الله الإمارات من فضله، زادت تلك المسؤولية عمقاً في أنفسنا. ولنتذكر دوماً قول علي ابن أبي طالب (كرم الله وجهه): «إياكم وتَهْزِيعَ الأَخْلاقِ وتَصَرُّفَها»، أي من كسرها وفرقتها.
شكراً هزاع المنصوري، أنت ذلك السهم الذي شق السماء، وسطر مجداً للوطن.

وعَمَّار يا دار زايد... وعيال زايد.