التسامح.. يقول المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في إحدى المقابلات التلفزيونية، على الإنسان أن يكون صابراً على أخطاء الغير، وأن يكون متسامحاً، لين القلب. وضرب مثالاً لذلك قائلاً: «أنت أيها الإنسان في بيتك، ألا تحدث بينك، وأفراد أسرتك بعض الخلافات، فإذا تشددت، وحنقت، فإنك سوف تخسر حياتك الأسرية، ولكن لو تجاوزت نقطة الخلاف وتخليت عن عصبيتك، فإنك بعد فترة قصيرة من الزمن، سوف تشعر أن كل ذلك الإحساس الغاضب، قد زال، وعادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، وكأن شيئاً لم يحدث، بينك، والشخص الذي اختلفت معه».
عندما تقرأ تفاصيل هذه المشاعر، تحس أنك أمام تجليات قائد لم يأت بنظريات، وإنما جاء بأفكار من تجربة الحياة، وأنه يقدم للعالم مثالاً للعلاقة بين البشر، التي يجب أن تكون صافية مثل مياه الأنهار. ولكن مثل هذه المشاعر، لا تنبع من فراغ، ولا تأتي من لا شيء، إنها من نبع نفس تخلصت من الأفكار المسبقة، ومن الرواسب الزمنية، ومن مركبات النقص، وعقد الدونية.
وتحضرنا هنا قصة الفيلسوف الذي جاءه أحد الأشخاص يطلب منه تعليمه التأمل. فنظر إليه الفيلسوف، ثم صب له الشاي، وظل يسكب، ويسكب، حتى فاض الشاي، فصرخ الضيف قائلاً لقد فاض الشاي.. لقد فاض الشاي! نظر الفيلسوف مرة أخرى إلى الضيف، وقال له: أنا لا أملأ الجزء الملآن، وإنما أملأ الجزء الفاضي، وأنت جئت لي، وصدرك مليء بالرواسب، فلن أستطيع تعليمك التأمل.
هكذا هي الضمائر، عندما تكون مخزناً لخرائب الزمن، فإنها لا تستطيع التخلص من الحقد، والكراهية، وبغض الآخر. فكن خاوياً من أحاسيس الريبة والشك، والتوجس، تستطيع أن تقترب من الآخر من دون رجفة أو خفة، هكذا كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان صافياً وقد علمته الصحراء النجيبة، كيف يكون نقياً، كي يتعايش مع مختلف المخلوقات، وهو مطمئن النفس، قرير العين هانئا.
هكذا كان المغفور له الشيخ زايد، مثل أبيات قصيدته، يذهب إلى الحياة بروح مدوزنة بوزن الحب، وقافية الأحلام الزاهية. هكذا كان زايد رسم صورته في ذاكرة التاريخ، بريشة المشاعر التي لا تشوبها شائبة الأفكار السوداوية، ولا تعرقلها ظنون الضعفاء، ولا تعيقها شكوك العصابيين.
كان زايد صورة مثلى لقائد بنى أحلامه على أسس القلب الصافي، والعقل اليقظ، فلا يدع فكرة تسود على فكرة، دون أن يعرف أنها إضافة جديدة، لخلق وعي جديد، في عالم يحتاج إلى الأفكار كي يبني مجد الأوطان، لا أن يهدم أعشاش الآخر.