في يوم من الأيام، كانت الهيئة العامة للرياضة، وبمسمياتها التاريخية المتغيرة والمتعاقبة، هي الكل في الكل، كانت تأمر وتنهي، وتبدأ وتختم، وتفكر وتقرر، وتثبت وتغير، وتكتب وتشطب، كانت تعين وتقيل، وتحاسب وتكافئ، وتشهر وتحل، كانت تفعل كل شيء في إطار اللوائح والقوانين التي منحتها سلطة تامة ومطلقة على مفاصل الرياضة بشكل عام، تخيلوا في موسم من المواسم صدر قرار منها أعلنت فيه إلغاء الهبوط، وزيادة عدد الفرق في دوري كرة القدم.
كانت الهيئة هي الآمرة الناهية، السيدة المطاعة، كانت السلطة الأعلى فوق جميع المؤسسات الرياضية، كانت هي المرجعية، كانت منبع اللوائح والقوانين، ومصدر التشريع الوحيد، كانت المحكمة التي لا ترد أحكامها ولا تقبل الاستئناف، كان هذا في زمن مضى، فظهرت المؤسسات المحلية وجاءت اللوائح الدولية، وهبت رياح العولمة والتغيير لتسحب من تحت قدميها البساط.
كانت اللائحة التنفيذية للاتحادات الرياضية، الصادرة من الهيئة، هي الدستور لكل الاتحادات الرياضية، واليوم فإن النظام الأساسي لكل اتحاد هو دستوره الخاص، وهو الذي يتم اعتماده من الجمعية العمومية، وهو اللائحة القانونية الوحيدة التي تنظم إجراءات وسير العمل في هذا الاتحاد، واليوم لا تستطيع الهيئة أن تستعمل مطرقة القانون القديمة والمهترئة، ولا تتدخل في أبسط شؤون الاتحاد، حتى لا تقع في إشكالية التدخل الحكومي المرفوضة دولياً. وتحولت السلطة الواحدة إلى سلطات عدة، وتفرقت المسؤوليات في رياضتنا بين سطوة المجالس الرياضية وسلبية الجمعيات العمومية، وفي ظل هذه الفوضى نرى التجاوزات بأم أعيننا، ولكن أين هي المرجعية؟
كنا نتوقع وننتظر، أن يؤدي توزيع الأدوار الواضح، والتسلسل التنظيمي، إلى تطور في العمل المؤسسي إلى الأفضل، ولكن حدث العكس، وغاب دور الهيئة القديم ليحدث فراغاً هائلاً لم يجد من يملؤه، ما زلنا نبحث عن المرجعية الحقيقية والشخصية القوية، وعن السلطة القادرة على إيقاف التجاوزات، وضبط النظام، ومحاسبة المخطئين، فلا نجد، فلا هيئة، ولا لجنة أولمبية، ولا مجالس رياضية، ولا جمعيات عمومية، ليس هناك أحد.
أقصى ما تستطيع الهيئة العامة للرياضة فعله هذه الأيام، هو إيقاف الدعم المالي، وتجميد التعامل مع الاتحادات المتجاوزة، وهذه العقوبة لا تزعج كثيراً المسؤولين ولا يضعونها في الحسبة، فأهدافهم كثيرة وطموحاتهم كبيرة، وليس من ضمنها بالطبع تطوير اللعبة، فهم لا يعترفون بسلطة الهيئة عليهم ولا يعتبرونها مرجعية، ومرجعيتهم الوحيدة هي الجمعية العمومية التي أعضاؤها من الأندية ويترأسها رئيس الاتحاد، وفي هذه الحالة يكون المخطئ هو الجاني والضحية والقاضي والجلاد.