تُعَد المحكمة الاتحادية العليا أعلى سلطة قضائية في الدولة، واختصاصاتها وقوتها غير خافية على أحد، وبالذات أهل الاختصاص من رجال القانون. وهي تنظر في قضايا كبيرة، يلجأ إليها المتخاصمون بعد استنفاد مراحل التقاضي الابتدائية والاستئناف، وأحكامها نهائية. ولكن للأسف البعض يشغلها بعرض قضايا ثانوية، ومع ذلك تنظر فيها وتردها للاستئناف حرصا منها على تحقيق العدالة ولو كان ذلك على حساب وقتها. وقد تشرفت في فترة من الفترات بمتابعة وتغطية جلسات المحكمة الاتحادية العليا وهي تنظر في العديد من القضايا سواء الأمنية منها أو غيرها، ولاحظت وهي ترد العديد منها للاستئناف أو للتقاضي من جديد بدلاً من إهدار وقت المحكمة كما جرى في قضية تداولتها الصحف مؤخراً.
فقد أيدت المحكمة الاتحادية العليا في تلك القضية «طعن النيابة العامة ضد حكم قضى ببراءة متهم في قضية قيادة مركبة تحت تأثير الكحول»، وقررت إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف لنظرها مجدداً، مشيرة إلى أن المتهم اعترف في مراحل الدعوى كافة بما أسند إليه من تعاطٍ وقيادة تحت تأثيره، وهو كاف لإثبات التهمة بحقه». وكما يقول أهل القانون وخبراؤه فإن «الاعتراف سيد الأدلة».
هذا أنموذج من القضايا التي أشرت إليها وتشغل بها المحكمة الموقرة، المحكمة التي تعد أعلى سلطة قضائية وذروة الحرص على العدالة والقانون في دولة المؤسسات والقانون التي نفخر بها، وحيث يتساوى الجميع تحت مظلة القانون، وهو ما يميز إمارات الخير والمحبة.
وفي الوقت الذي نحيي فيه جهود المحكمة الاتحادية العليا وصورتها الزاهية في تعزيز وترسيخ أركان العدالة، نحيي النيابة العامة في تلك القضية التي أشرت إليها، وذلك لإصرارها بألا يفلت الجاني بجريمته، خاصة وأنه اعترف بها، فماذا يتوقع البعض ممن يحاول استغلال ثغرات إجرائية لصالحهم، هل ينتظرون أن يقع ضحايا أبرياء، وتزهق أرواحهم ليقتنعوا بخطورة فعلة أمثال هؤلاء الأشخاص على أنفسهم ومستخدمي الطريق وما يترتب كذلك من حق عام، وهو حق الدولة. إصرار وحرص النيابة العامة أنموذج وصورة طيبة لما يتحلى به رجالها، وظلوا يتابعون الأمر حتى يصل لغاياته بتقديم متجاوزي القانون للعدالة، وبالقانون ونصوصه وروحه يتم أخذ حق الضحايا والمجتمع وأفراده منهم.
بإبراز مثل هذه الصور الزاهية لتنفيذ العدالة وملاحقة الجناة يسعد المجتمع وينمو ويزدهر آمناً مطمئناً ليقظة عيون القانون وأدواته.