اليوم وخلال العشرين سنة الأخيرة، حدث ما يشبه الحلم. حدث شيء يثير الصدمة الاجتماعية، حدث تغير في النسيج، حيث القماشة الاجتماعية تغيّرت في سمكها ولونها، وهذا أمر طبيعي يحدث لأي مجتمع انتقل من مرحلة الطفولة الثقافية إلى النضج.
ولكن خلال هذه الرحلة حدث ما يشبه القفزة فوق حبل يربط جدارين عاليين حدث انصهار قيم، وبروز قيم أخرى، وحدث اغتراب في المفاهيم، والمصطلحات، والعادات، والتقاليد، والسلوك الجماعي.
حدث خلال هذه الرحلة انبعاث أشعة فوق بنفسجية، غيرت من الرؤية، ومن المزاج، والمذاق أيضاً. بدءاً من الملبس، والمأكل، والمشرب مروراً بالعلاقة بين الأفراد، في مجال الأسرة، والعمل، والصداقة، ثم انتهاء بحزمة من الاستخدامات اليومية للغة، وثقافة عامة، نتجت في خضم الانتقالة السريعة، من منطقة الماضي، إلى الحاضر، ويبدو أن العربة الاجتماعية تمر سريعاً على الكثير من القيم، وتتجاوزها، ولا يتم الالتفات نحوها، لأنه ما من فرصة، ولا وقت يسمحان بالتريث، فالعقل منشغل كثيراً بالمستقبل، والقلب متخم بالمشاعر الجديدة، والعين يغبشها النور الساطع، ولا شيء يتوقف في هذه الحالة، بل إن المسافة ما بين الماضي والحاضر على الرغم من قربها زمنياً، إلا أنها نفسياً تبدو أبعد من المسافة ما بين الشمس والقمر.
سنوات ضوئية قطعت خلال العشرين سنة، لم تستطع شعوب غيرنا قطعها خلال قرون من الزمن. المجتمع حظي بمميزات تفوق التخيل من خلال هذه القفزة الهلامية الفظيعة، والمجتمع حقق إنجازات هائلة بوصفه مجتمعاً غضاً، وضع الأقدام على أرض متحركة، بل إن حركتها أسرع من حركة القطارات السريعة، ولكن هذه السرعة، وفي كل خطوات السرعة، عندما تمر على المشاهد من حولك لا تستطيع تمييزها بدقة، لأنَّ ما يحدث أمام العين هو أسرع بكثير، من قدرة الانعكاس الذي يجب أن يحدث الصورة المثلى للعين كي تستوعب ما يسقط على بؤرتها، ثم ترسله إلى العقل، وبدوره، يتم ترجمة الصورة، وأحداث المونتاج، ثم التقديم بما يماثل حقيقة الأشياء الموجودة أمامك.
كل ذلك لم يتسن له أن يتشكل في ظروف كهذه التي مر بها المجتمع، الأمر الذي خلق شيئاً من التغيير في شكل الصورة، وبالتالي تغيرت المشاعر، ثم تبعها تغيير في تكوين الفكرة حول الأشياء، وتلا ذلك تغيير في السلوك.