«الوجود هو اختيار، وعدم الاختيار هو عدم الوجود» سارتر.
نسأل أنفسنا هل هذا الجيل اختار وجوده في التاريخ المعاصر. أعتقد أن هناك حدثاً ما يشبه الصدمة الحضارية، ما جعل العقل الحاضر يقع في مأزق طفولية الاختيار، إن لم نقل غوغائية الاختيار.
هكذا نتصور المشهد، ونتأمل تفاصيله، ونراه أمام أعيننا يتدحرج نحو آفاق ربما تكون مجهولة، على أقل تقدير للغالبية العظمى من أبنائنا. كيف؟ لقد حدث أن رأى أحدهم عبر شاشة تلفزيونية، أو هاتفية ما يثير الإعجاب، فسارع إلى ارتداء هذا الملبس، أو تناول هذا المأكل، أو سلك هذا الطريق، أو الاقتداء بسلوك وجد فيه ضالته وهو يتخبط في منافي الضياع، والتيه.
لا ضير أن نمشي في طريق مشى فيه غيرنا، ولكن بشرط أن نكون على وعي بما نفعله. فهل هذا الجيل يقلد بوعي، ويستقطب كل ما هو خارجي وهو في أتم يقظته؟ أعتقد أننا لو قلنا نعم، فسوف نظلم الكثير من أبنائنا ونضعهم جميعاً في سلة واحدة.
هناك ما يجعلنا نتوقف عند نقطة مهمة، وهي لماذا، يحب الناس التقليد؟ هذا السؤال سوف ينقلنا إلى محطة مهمة جداً، ودقيقة وهي أن التقليد هو طبيعة بشرية، كما هو التفرد، ولكن ما بينهما الفرق الشاسع الذي يسلط الضوء على اللونين الأبيض والأسود، وعلى الحقيقة والخيال، وعلى الواقع والوهم.
في غضون فترة زمنية قصيرة كما أسلفنا، أي لا تتجاوز العشرين سنة الماضية، وجد الجيل الجديد نفسه أمام ضوء كاشف، وضع العالم بأسره بين يديه، ولم يعد الفضاء ضيقاً كما كان في سابق الأزمان، الأمر الذي سهل عملية الغرف من البئر الواسعة، ومن دون عناء، بمعنى أن الكلمة التي تطلق في أقاصي الدنيا يمكن أن تسمع في لحظتها، وكذلك السلعة التي تنتج في بلاد ما وراء البحار، يمكن أن تكون في أحضان شخص في أي مكان من العالم.
وقس على ذلك، أحداثاً، وتطورات، وتغيرات، وصراعات، تمطرها العقول في بلد ما، تبعد عنا آلاف الأميال، قد نجدها في اللحظة ذاتها، بين أيدينا، وتسكن أكنافنا.
هذه السرعة الفائقة للحضور، أحضرت معها الصدمة، والإبهار، ونالت من القلب ما تناله المعجزات، والخرافات، والخوارق. أصبح العقل في أسر الجديد، والفريد، وأصبحت المشاعر مثل نشارة الخشب، تتقاذفها رياح الانثيالات العجيبة، والغريبة، فيما بات العقل في قبضة الاغتراب، والاستلاب، حين احتلته هذه الأنياب الحادة من غرائب المنتج البعيد الذي أصبح أقرب من الحاجب.