قليلون من يستطيعون أن يوقفوا التاريخ.. أن يحصلوا على مساحة في كتابه الممتد.. أن يكتبوا على طريقتهم مجداً يليق بهم.. هؤلاء غالباً وهم يفعلون ذلك لا يعلمون.. هم يركزون إلى أقصى درجة في مهمتهم، تماماً كحال نجمنا الفذ علي مبخوت الذي احتفلنا الخميس الماضي برقمه القياسي مع المنتخب، بعد أن قاده للفوز على إندونيسيا بخماسية نظيفة، سجل منها مبخوت ثلاثية كاملة.
حينما سألوا علي مبخوت عن إحساسه بعدما حطم الرقم القياسي لنجمنا التاريخي عدنان الطلياني، أكد أنه لم يكن يعلم عدد أهدافه مع «الأبيض»، وأن ما يعنيه ليس أن يحطم الأرقام وإنما انتصار الفريق، وأن الإنجاز صناعة الجميع، وأنه لا تعنيه الأرقام الشخصية.. وأثق تماماً في أن ذلك هو شعور علي مبخوت فعلاً.. هو ليس من ذلك النوع من اللاعبين الذين يحتفون بالذات.. هو محب لكل من حوله، ولذا كافأه من حوله بأن أهدوه عرش الهداف التاريخي لـ «الأبيض».
يبدو الأمر كالمفاجأة على الرغم من أنه ليس كذلك.. كلنا ندرك أن مبخوت لاعب من طراز فريد، وما قدمه مع «الأبيض» طوال الفترة الماضية كان استثنائياً، لكنه لاعب لا يحب الجلبة، ولا يحب التسويق لنفسه.. يسير في طريقه غير عابئ بما حوله.. لم يكن طرفاً في ذلك الجدل حول أهدافه في المباريات الدولية أمام لاوس وماليزيا وسريلانكا، وهل احتسبت أم لا؟.. المنتخب لديه هو المسألة.. هو البطل والهداف والانتصار.
مبخوت حسم الأمر في كل الأحوال بتسجيله 59 هدفاً طوال مشواره مع «الأبيض» على مدار 2551 يوماً منذ مباراة البحرين الودية في أكتوبر من العام 2012، والتي سجل فيها أربعة أهداف، كانت عنواناً لهداف من طراز فريد تباهي به كرة الإمارات، سجل في كل البطولات، فأحرز 14 هدفاً في تصفيات كأس العالم، وتسعة أهداف في كأس آسيا، ومثلها في التصفيات، وثمانية في كأس الخليج، إضافة إلى أكثر من 23 هدفاً في المباريات الودية، وسجل أهدافه الـ 59 في شباك 25 منتخباً، ترك فيها بصمة الإمارات.
يستحق علي مبخوت أن نحتفي به، وإن كان لا يدري فنحن ندري، وإن كان لا يعلم فنحن نعلم ماذا قدم وكيف اختارته الكرة ليكون هدافاً تاريخياً جديداً لمنتخب الإمارات الذي تعاقبت عليه أسماء كثيرة محفورة في الذاكرة، لكن «مبخوت» في الذاكرة والقلب.

كلمة أخيرة:
الجميع يقرؤون التاريخ.. لكن قلة من يقفزون إلى داخل الكتاب.. هؤلاء اختارهم التاريخ.