الأخلاق.. «الاهتمام بالجمال الطبيعي في حد ذاته سمة من سمات الروح الطيبة. والواقع حين يهتم الإنسان اهتماماً مباشراً بضروب الجمال الكامنة في الطبيعة، فإنه سرعان ما يعتاد حياة التأمل والاستغراق في الجمال الطبيعي، ومثل هذه الحياة هي بطبيعتها ملائمة لنمو الشعور الأخلاقي».. إيمانويل كانط، فيلسوف ألماني.
ونحن عندما نتأمل سيرة حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نرى في حياة هذا الزعيم ما يشير بالبنان إلى نفس الحديث الذي تطرق له كانط، وعندما نقرأ تفاصيل التضاريس التي عاش عليها زايد، وكيف اعتنى بالشجرة، وكيف تعامل مع الطبيعة بلباقة مشاعر ورشاقة فكر، ولياقة سجية.
ومن ينطلق من منطقة مصفح، ويذهب غرباً باتجاه الظفرة وعلى مسافة أربع مائة كيلو متر ونيف، ويتأمل الشريط الأخضر الذي يطوق هذه المسافة الشاسعة، تنبعث في نفسه أشعة الضوء التي أشعلها زايد في كل نفس تفحصت ذلك المكان، وتصل الرسالة إليه بيسر، ويستوعب لماذا اهتم زايد بالزراعة؟ إنه الانبعاث الروحي، وإنه الوحي الذاتي الذي يضيء الداخل بشمعات الحب لكل ما هو جميل في الطبيعة، ولكل ما هو مبعث سلام للنفس، فمن يصدق أن هذه الصحراء برمالها الصفراء الجافة، سوف تتحول في يوم ما إلى حزام أخضر، يرتع بين أغصانه الطير، وتهجع غزلان الحياة، بكل سلام، وانسجام.
هذا الذوق السليم في التعامل مع الطبيعة، كسر حاجز القنوط، واليأس من عدم صلاحية هذه الأرض للامتزاج بالأخضر اليانع. هذا الذوق في حب الحياة، والتناغم مع الموجودات هما اللذان جعلا الشيخ زايد يمعن في تأثيث الأرض بأعشاب الجمال، وهذا الامتداد القيمي في روح المغفور له، هو الذي جعله يتجاوز حلول الخبراء، ويتكئ على ضميره الأخلاقي في الاقتراب من الطبيعة، والتعامل معها بلطف وحنان، إيماناً منه أن طبيعتنا هي أمنا الرؤوم، وهي حضننا الدافئ، وعلينا أن نتجاوز أفكارنا المسبقة عن الصحراء، ونبدأ حياتنا بالتفاؤل والرحمة، وهذه هي أخلاق العظماء، هذه هي أخلاق الذين يؤمنون أننا جزء من الطبيعة، وعلينا أن نتصالح معها، ونتسامح مع مكوناتها، ونتواصل معها كما يتواصل أعضاء الجسد الواحد.
بهذه القيم الرفيعة، استطاع الشيخ زايد أن يحول الإمارات إلى حديقة غناء، ترفل بالأخضر الزاهي، وتكتسي كل يوم لوناً من ألوان الجمال، كون الجمال سمة من سمات الخلق الراقي.