منذ أن شاهدت الفتاة العراقية سارة عبدالرحمن خشمان، وهي تقبّل علم بلدي بعاطفة جياشة في مباراة «الأبيض» مع أستراليا، وأنا أسأل نفسي هذا السؤال.. ماذا تعني كلمة وطن؟.. وهل هو الأرض والحدود والمكان، أم حالة من الشجن.. صدقاً.. هل نسكن الوطن أم أن الوطن يسكننا.. نمشي على أرضه أم يمشي فينا؟
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كانت لديه الإجابة، حين التقى سموه على الفور الفتاة العراقية، وكرمها تقديراً لمشاعرها الصادقة التي وصفها بأنها تعكس حجم الوفاء والانتماء، وتجسد أجمل مشاهد التلاحم بين الجنسيات فوق أرض هذا الوطن في كل المناسبات، وقال سموه للفتاة وأسرتها «هذا العلم علمكم.. والبلد بلدكم».
ترتكز خصائص الأوطان في الأساس على الحب، وما يتضمنه من أشكال مثل الاحترام والانتماء والفخر السياسي والاجتماعي.. قد يتجسد لديك في قصيدة أو صديق أو أغنية أو مدرسة أو طريق.. الوطن أكبر من أي شيء، وهو أقرب من كل شيء.. الوطن البيت والابن والأخ والأم والأب.. الوطن ابتسامة صادقة تشرق في محياك كالشمس.. الوطن أمن وأمنية.. فرحة وضحكة.. الوطن دمعة لا تسقط بهذه السخونة إلا على ترابه.
بقدر ما أثار مشهد سارة العراقية شجوني، بقدر ما زادني التصاقاً بالوطن، فإذا كانت تلك هي مشاعر الأشقاء، فكيف يجب أن تكون مشاعرنا.. سارة -قطعاً- تربت هنا، حيث ترتاد مدرستها في الشارقة، وربما لم تزر بلدها، ولم تتعرف إليه إلا من حكايات الأب والأم، لكن الوطن لدينا ليس حكاية.. هو فينا ونحن فيه.. الوطن هنا من يوقظنا كل صباح، ومن يروي لنا آخر حكاية قبل أن ننام قريري العين والقلب والروح.
بعض الدروس تأتينا «دون أن تقصد»، ولكن لابد أن نعي.. بعض الدروس تصادفنا في الطريق أو على وجه صديق أو في المدرجات، مثلما كانت سارة التي جاء مشهدها، وهي تقبل العلم الإماراتي، ليطغى على كل المشاهد.. كان عفوياً وآسراً وموحياً.. عرف طريقه مباشرة إلى القلوب التي تؤمن في قرارتها كيف هي الأوطان لا يعدلها شيء ولا يدانيها شيء ولا يساويها شيء.
أيها العلم الشامخ في أعلى مكان.. أيها الشاهد على عزنا.. أيها الملون بألوان المجد الشاهد على السنين والمكان والرجال.. أيها العلم الساكن فينا.. دمت في العلياء.. دمت صوب السماء.. ودامت أرضنا جنة الله على الأرض.. دامت للجميع.. للتسامح عنوان.. وطن للكل مع الأوطان.

** كلمة أخيرة:
بعض الرسائل لا تقرأها سوى القلوب.