تتأمل المشهد السوري، فترى العجب، بما يبديه الصخب، وترى ما يصدمك، ويجعلك في حالة الغثيان، أثر الدوار الذي أدار عقرب الساعة من أول العدمية إلى آخر العبثية.
في سوريا كل دول العالم تحمل أجندتها في حقائب ملغومة، وتمر عبر التضاريس المهشمة، وتقبع هناك تحت ذرائع وحجج ومبررات ومسوغات، لا أول لها ولا آخر. ما يثير الدهشة، أنه تحت وطأة هذا الدوران حول النقاط الصفرية لا نجد للعرب أية ظل أو حتى شبه الظل. العالم موجود بكل ما يحمله من حيل، ومؤثرات صوتية، إلا العرب، فهم ما زالوا في موقف المتفرج، والدعاء لسوريا بأن تتحرر من صهد التداخل والتشابك،
وتقاطع المصالح، بينما لا مصلحة للعرب فيما يحدث، وكأن ما يحدث على أرض مملكة الأمويين هو زوبعة في فنجان، كوكب يبعد عنا آلاف الأميال الضوئية. الجار الجنب، والجار البعيد، والبعيد البعيد، والأبعد من البعيد، يتوافدون زرافات على الأرض السورية والرضاب يسيل فجاجة، واللعاب ينثال سماجة، ولا أحد من أعرابنا يتذكر، إن لسوريا جذراً في جغرافيتنا وساقاً في وجداننا، لا أحد له شأن فيما يتوارى تحت تراب سوريا أو فوق ترابها، سوريا التي صارت ممراً آمناً لأغراض وأهواء ومصالح، واستراتيجيات الآخرين، لم يخطر على بال العرب أن ما يثور ويفور في قدر سوريا، هو ماء دجلة الذي شربت منه حضارات وارتشفت من عذابه ثقافات، أنارت وجه العالم يوم كانت سوريا سراجاً وهاجاً لا يخضع لملة ولا يركع لثلة، كانت سوريا السرج والسراج لقوافل التنوير وحافلات السفر إلى الوعي.
اليوم تغط سوريا على فراش الأيديولوجيات الماكرة، وتتكئ على آرائك الخديعة البصرية، وتمضي في المداولات السياسية، مثل شجرة زيتون تخلى عنها أصحابها، بعد أن نالها غضب الجفول والنحول والسدول والأفول.
اليوم في سوريا تتحرك الأمواج باتجاه تحويل السواحل إلى مناطق (غير آمنة)، تسكنها مخالب أمراض البارانويا، والعصاب القهري، وأحلام الامبراطوريات المتهالكة، والتواريخ المدنسة بالكذب والافتراء والهراء، والوشاية والإغواء.
سوريا تقبع اليوم تحت وصاية خريف الغضب، وتجتاحها السكاكين من كل حدب وصوب، ولم يزل العرب يتلفتون يمنة ويسرة، لعل وعسى تلتقي الأنظار على فكرة تستعيد الشأن وتعيد الشجن، ونتخلص من مقولة «إذا سلمت أنا وناقتي، ما علي من رباعتي». لعل وعسى نتغلب على سلبية استوطنت الوجدان العربي منذ عاد وثمود.