لن يُشفي غليلكَ الثأر، ولن يقودك الانتقام إلا للمزيد من السقوط في الغيّ. دعهم يذهبون، اقطع الحبال التي تشدّكَ كي لا يجرّوك وراءهم أثناء السقوط في الوحل. الرجل الذي آمن بطعنة الغدر نصراً وسددها نحوك ليجرح براءة روحك، لكنه لم يجرح إلا نفسه. المرأة التي صدّقتَ أنت بوعدها، لكنها ذهبت طوعاً لغيرك وتركتك محشوّاً بالانتظار. صديقك الذي ألقمته سرّك، لكنه في لحظة جهلٍ، سعى لفضحك. دعهم يذهبون جميعهم، واجلس أنت في ركن السلام لتختلي بالحقيقة وتنال صفوك. كل لحظة تسامحٍ، هي لحظة خلاص. وأنتَ حين تتخلص من الندوب التي تركها الحاقدون على جسدك، ومن الخدوش التي رسمها الحاسدون على رؤاك، سترى الحياة بعين لا تقرأ إلا الجمال، وسيدرك قلبك أن الصفح عن كل زلات العالم، هو ما سيرفعك لمرتبة النقاء.
أن تُسامح، يعني أن تسيطر على الزمن كله. فلا يعود الماضي مجرد ندوبٍ وذكريات ألم. ولا تكون الطفولة منبعاً للشقاء. كل الأحزان القديمة يمكن أن تزاح بالصفح. خذ قلماً وارسم طفلاً يسابق السهام المسمومة في شارعٍ الخوف. يركضُ أسرع من صيحات الندم، ويقفز أعلى من الآهات، متحدياً الكآبة ومنتصراً على الضجر. هذا الطفل هو أنت الذي بالأمس صار الآن أنقى. ثم خذ ممحاة، واكنس بقايا الصور الجريحة من ألبوم عمرك، متفوقاً على سلطة الماضي ما دمت لا تريده، ولا تشتاق لذكراه روحك. وحينها سترى أوراق الندم البالية تسقط من شجرة حياتك التي تتجدد في كل لحظة، وعليك أن تعيشها بكامل سحرها.
الحياةُ، طالت أم قصرت، مجرد لمحة ضوء في عتمة لا متناهية. لذا، عليك أن تحلّق متتبعاً منبع هذا الضوء الذي أتيت منه. ولن تحلّق ما دمت مثخناً بالأثقال والأفكار السوداء المظلمة. اجمع كتلة الغضب واسحب جذورها من جسدك كله، ثم ارمها في النار. قل لمن يحرضونك على عناد الريح أنك لست غصناً، وإنما مجرد جناح. وحين تلبس قميص النزاهة، وحين يضع الحكماء على رأسك قبعة الفطنة، ويطلقونك حراً في تأمل الوجود، سترى أن مصدر كل ضوء إنما يبدأ من داخلك. وأن الطريق الحقيقي الذي عليك أن تسلكه، لن يقودك إلى مجدٍ مزعومٍ أو انتصارات واهية. بل سيقودك إلى اكتشاف جوهر ذاتك التي غطّاها الزمن بأقنعة كثيرة. ولا يوجد في جوهر الذات إلا الفراغ.