بقدر فرحك بالسفر مع الصغار، بقدر ما يكون غضبك وانفعالاتك، وحلفك يميناً غموساً أنها آخر رحلة معهم، فمهما حاولت كأب ارتضى بهذه المهنة مؤخراً، أن تسيطر على الوضع، وتجعل الأمن مستتباً، فلن تفلح في ظل عبث طفولي في كل شيء، وبكل شيء، حتى إنك توقن أن بعض سلسلة الفنادق الغالية، لن تقبل طلبك بالنزول فيها كضيف ثانية، من كثرة ما حلّ بفندقهم العريق، النُزل المفضل عند الأرستقراطية الإنجليزية، فالكثير من الكاسات الصغيرة المبثوثة في الغرفة، والتي لا تعرف حقيقة ضرورتها كشخص راشد، تصبح في أيادي التوأم «الحور ومنصور» خردة، ولكن الأمر المفرح الوحيد، أنك قادر أن تسيطر على الثلاجة الصغيرة بعد أن لعبوا بقطع الحلوى الغالية، يقرمون نصفها، ويتركون نصفها الآخر، وإن كانت تتشابه مع حلوى البقالة المجاورة، لكنها هنا باليورو، وأي كسر لأي زجاجة دواء صغيرة في تلك الثلاجة المليئة بأدوية السعال، يعني أن فاتورة الثلاجة ستظهر بسعر الغرفة، فكان مفتاح الثلاجة هو المنقذ، والذي ابتليت به لأول مرة في حياتك، بحيث كان يلازمك، خوفاً عليه من الضياع لصغره، وأهميته للفندق.
بالنسبة للحور كان أي منفذ هو باب للحرية لكي تختض بالأربعة كيلو جرامات الزائدة هرباً، باب مصعد فتح فجأة، طابور ختم الجوازات، ممرات الطائرة المحبوسة فيها لساعات، ما عدا البوابة الأمنية في المطار، كانت تدخل بتلكؤ، ثم تعود أدراجها ثانية بسرعة، أما منصور الذي يتصنع الهدوء حتى تكاد أن تقبله على التأدب في الصغر، سرعان ما تغير رأيك حين تجده يغافل الجميع ويركب السلم الكهربائي بالعرض، والذي كان يجعلك تتصلب وتتصبب عرقاً في عز الشتاء من فرط ما يتراكض كثير من المسافرين خلفه، وحال كثير منهم يلقي اللوم عليك، حتى العربة المخصصة للتوأم، والتي أصبحت مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة ومباشرة كانت عبئاً لا يُطاق، فصعوبة فتحها، وتطبيقها، وجرها، وتحميلها في حقيبة السيارة، وممانعة التوأم من ربطهما فيها، جعلها كحمل زائد، ومسافر ملاصق، لا تتحرك إلا بها، والتوأم يعدها قفصاً غير مريح، مشكلة التوأم أنه لا يتحرك إلا بأخته الكبرى.
«أروى»، والتي كانت مدللة الرحلة، وعرفت قيمتها أكثر في السفر، والحاجة لها في تهدئة كثير من الأمور، فكانت طلباتها في الشراء تزيد، فلم يعد الحذاء الواحد يكفي، وما تشتريه الأم تريد مثله، لأنها شعرت أنها كبرت فجأة، ولها مشاركتها الفعالة في الرحلة، لذا كانت تختار البرنامج الذي تفضله في أي مدينة نحلّ بها، اللعب في الثلج، دخول الأهرامات، المبيت في «ديزني لاند».
وفي كل مدينة لها شيء محبب غصباً على الجميع، وحده الأب رضي أن يرى المدن التي يعرفها بتطلبات الصغار، ولا يبحر فيها كعادته، بأجنحة بعيدة عنه، إنما بأجنحة متكسرة هذه المرة.