هل توقعت يوماً عزيزي القارئ أن تفضيلك لنوع معين من الموسيقى يعود لبكتيريا تسرح في دمك؟! وأن خيارك العاطفي ناحية شخص من دون غيره، لا يعود بسبب جاذبيته، وإنما لجرثومة عالقة بك؟! أو أن تفضيلك لتوجه سياسي من دون غيره، لا بسبب منطقيته وتوافقه مع احتياجاتك، إنما بسبب قوى بيولوجية تتحكم في خياراتك الفكرية؟! بالتأكيد لا، فنحن على قناعة تامة بأن ذائقتنا الفكرية والثقافية هي نتاج تفاعل وعينا الخاص مع بيئتنا الخارجية، وأن لنا اليد الطولى في هذه الأمور، بل وطفقنا نثبت هذا الأمر بكل ما امتلكنا من وسائل وطرق، لنؤكد سيطرتنا البشرية على أنفسنا بشكل أو بآخر.
الحقيقة العلمية الجديدة، تعرض نوعاً آخر من العوامل المؤثرة على خياراتنا وأذواقنا بشكل كلي، وقد تكون لها اليد الطولى في خياراتنا الكبرى. فحسب دراسات علمية منشورة، فإننا ننفر من أمور معينة ونقبل بغيرها، بناء على حمضنا النووي الذي يمنح كل فرد فينا مستقبلات مختلفة في كل حواسنا الذوقية والسمعية والبصرية، تقوم هذه المستقبلات برفض مركبات من دون غيرها، وذلك تجنباً للضرر الذي يمكن أن يلحق بصاحبها، أو قبول مركبات بعينها والانجذاب لها، لتحقيق منفعة ما.
تقدم مقالة استشرافية نشرت في مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية في عدد سبتمبر الماضي، نتائج اختبارات علمية، تؤكد فيها هذا الأمر، منها اختيار الشريك ودور الحمض النووي في ذلك، عبر التأثير على مستقبلات الرائحة لدى النساء في رفض روائح لرجال من دون غيرهم، وقد تأكد أن الجينات المناعية لدى المرفوضين تتطابق تماماً مع رافضيهم من النساء، وهو ما يؤثر بشكل سلبي تماماً على مناعة الأبناء في حالة اقتران الطرفين! وكذلك دور «الدوبامين» و«اللوزة الدماغية» في فرض سمات شخصية معينة، سواء البحث عن الجديد وحب المخاطرة، أو القلق والترقب، وهي أكثر الصفات التي تجعل الناس يختلفون في توجهاتهم السياسية ناحية طيف من دون آخر؛ وقس على ذلك كل اعتقاداتنا فيما نعشق من أصوات وألوان وأشكال وروائح.
في المستقبل عندما ترى من يختلف معك، حاول عزيزي القارئ أن تتذكر أن هناك عوالم أخرى تتحكم فيك.. وفيه!